د. صالح الراشد

مع تطور علم الحاسب الآلي والقفازات الكبيرة في ذلك سواء من ناحية القدرات الحاسوبية كالحاسوب الكمي أو الكمومي أو من ناحية حجم البيانات الكبير الموجود، أيضا قدرات علوم الذكاء الاصطناعي التي تمكن من فهم وتحليل سلوكيات هذه البيانات. كل هذه الإمكانات فتحت الشهية لمزيد من الأبحاث للاستفادة من تلك القدرات، وهنا ظهرت التوأمة الرقمية.

يقصد بالتوأمة الرقمية وبشكل مبسط وجود صورة رقمية إلكترونية مطابقة لشيء في الحياة الفعلية (مثلا: مصنع، منتج، طالب، مزرعة، مريض، إلخ) بكل صفاته الفيزيائية والسلوكية، وأيضا من الممكن النفسية. بدأت فكرة التوأمة الرقمية من منظمة ناسا في الستينيات الميلادي، حيث كانت هناك ضرورة لتشبيه فعلي واقعي لنزول (أبولو) في القمر، تلك الحالة الإلكترونية المبسطة المطابقة مكنت المهندسين لدى ناسا من مراقبة أداء الأجهزة والمعدات الفعلية في (أبولو). ومن ذلك الوقت، بدأت فكرة التوأمة الرقمية ثم انتقلت أيضا لدى ناسا إلى تشبيه لخزانات الوقود في الصواريخ، ثم وفي عام 2013 ظهر مصطلح التوأمة الرقمية بشكل نظري بحت كفكرة.

في ذلك الوقت كانت المعوقات في تطبيق التوأمة الرقمية كبيرة وأهمها محدودية علوم الحاسب الآلي وقدراته، لكن في بداية عام 2010 بدأ الحراك لأبحاث ودراسات أكبر عن التوأمة الرقمية، خاصة في مجالات أبحاث الفضاء. ويمكننا القول إن عام 2014 هو البداية الفعلية لمفهوم التوأمة الرقمية في نشر الدكتور Michael Grieve للبحث بخصوص التوأمة الرقمية وتعريفها ومكوناتها وهيكليتها.

من ذلك التاريخ، قفزت أعداد الأبحاث في إحدى منصات الأبحاث (scopus) من 82 في عام 2014 إلى 8900 في عام 2022، وتوسعت في مجالات كثيرة كالصناعة والطاقة والصحة والنقل والتعليم وغيرها، مما أدى إلى توسع أيضا في تعريفات التوأمة الرقمية حسب المجال المستخدمة فيه. حتى هذا اليوم يمكن حصر تعاريف التوأمة الرقمية بما يزيد على 30 تعريفا، وذلك لحداثة المفهوم والنظرة إليه من ناحية المجالات المختلفة، وهذا يبين مدى أهمية هذا العمل في المستقبل القريب.

إن من أهم فوائد التوأمة الرقمية الحالية والمستقبلية هي النقلة النوعية لتشبيه الواقع (للأشياء) بشكل أكثر دقة وتحليله باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وتوقع الحلول والآثار المستقبلية المتوقعة، ومن ثم اختيار الحلول المناسب تطبيقها للوصول إلى الحل المستقبلي الفعلي الأمثل.

دخلت التوأمة الرقمية في مجال الصناعة في مراحل مبكرة وتساعد في بناء الثورة الصناعي الرابعة والاستفادة من القدرات، التي تمكن فيها التوأمة الرقمية من تحسين خطوط الإنتاج وتصميم وإدارة المصانع ثم انتقلت إلى مجالات تطبيقات كثيرة أذكر منها على سبيل المثال التوأمة الرقمية في الرعاية الصحية والطب، التوأمة الرقمية في الطاقة، التوأمة الرقمية في التعليم، التوأمة الرقمية في الزراعة.

إن المستقبل القريب للتقنيات الرقمية يتضح أنه ومن أهم مكوناته سيكون التوأمة الرقمية، الذي ينظر إليه كأحد المنتجات النهائية للذكاء الاصطناعي، وتعزيز التواجد الوطني في هذا المجال من أحد أهم الأولويات، التي يستحق النظر لها من متخذي القرار، بل وجود مشروع للتوأمة الرقمية الوطنية وسن القوانين المنظمة لذلك سيؤسس لقاعدة متينة لكل مشاريع التوأمة الرقمية المستقبلية وطنياً.

@drsalehalrashed