عبدالله الغنام

لا تستغرب أيها القارئ الكريم من العنوان، فمعايير النجاح منذ أمد وليس اليوم غريبة وعجيبة، ولكنها في زمننا ازدادت غرابة وفجاجة.

يخرج لنا أشخاص في بعض مواقع التواصل الاجتماعي يزعمون أن فلانا ناجح، فما هو معيار النجاح؟ هل هي الأرقام وعدد المتابعين والمؤيدين! فكم رأينا من إنسان يشطح بفكرة أو موضة أو بتقليعة جديدة، فيتبعه أقوام، فهل هو من الناجحين باعتبار هذه الفلسفة الغريبة التي ليس لها معيار منضبط سوى الجماهيرية. وهذا الذي جعل رأس سقراط يشيب حيث جاء في زمن كان السفسطائيون (أصحاب علم الكلام والجدل) هم الأكثرية والمسيطرون على المشهد العام. وكان هؤلاء يدرسون أبناء طبقة النبلاء (مقابل المال) كيف يحاجون الخصم، ويثبتون أنه على خطأ بغض النظر عن الفكرة أو المحتوى. يعني مهمة السفسطائي أن يثبت أنك على خطأ بشكل متسلسل في الكلام أو بطريقة لي ذراع الكلمات لتطابق هواه (وكما قيل في المثل: عنز لو طارت). وكانت هذه المدرسة رائجة جدا في عهد سقراط. وكانت مهمته محاربة هؤلاء الفئة، بأن يدافع بكل منطق على أساس تعريف الأخلاق والفضيلة، وليس من أجل الانتصار في النقاش فقط (علم الكلام). وهنا بيت القصيد، فالتاريخ عرف لسقراط حقه مع أنه كان من القلة وتبعه القلة. وأنتم اليوم لا تعرفون اسما واحدا من أولئك السفسطائيين! ولكنكم أجمعون تعرفون من هو سقراط.

إذن ليس المقياس هو الأرقام من أجل أن نسمي فلانا ناجحا. بل لا بد من تعريف للنجاح، وهو يكون عن طريق الدين أو الفضيلة أو الأخلاق أو الخير تلك هي المقاييس الحقيقة والتي تبنى عليها المبادئ والقيم. طبعا لا بد من أن نتفق على تعريف الفضيلة والأخلاق والخير. وأما الدين فهو يعرف نفسه بنفسه.

وحتى تتضح الصور أكثر إذا كان النجاح بمقياس الأرقام والجماهير فإن أكبر شخص ناجح منذ وجود الكون هو إبليس! فقد وضع هدفا واضحا ومعروفا لنا جمعيا (حصد أكبر عدد من الناس معه إلى النار) فإذا حقق ذلك سيكون هو صاحب الرقم القياسي والأعلى على مر العصور، فهل نعد هذا نجاحا؟!

إني أتطرق إلى هذه المسألة لأني استغربت من البعض الذين يعدون مؤثرين حين يؤيدون فكرة أن مقياس النجاح هو الانتشار والأرقام والمتابعين بغض النظر عن المحتوى، مع أنهم يقولون: نحن لا نتفق على المحتوى، ولكنهم يتفقون على أن النجاح بالعدد والأرقام والتأثير على المتابعين!!

وانطلاقا مما سلف لا بد مع الأرقام والجماهيرية من جودة المحتوى بمعنى أن يكون منضبطا إما دينيا أو أخلاقيا أو فيه خير للآخرين. نقول ذلك؟ لأن المراهق يعتقد أن أي مشهور في الدنيا هو على صواب لأنه مشهور! وبهذه الطريقة يكون لا قيمة للخير ولا للأخلاق ولا للفضيلة، فإذا فصلنا الأرقام عن المبادئ والقيم ضاع الجيل! لأنه لم يعد هناك مقياس نقيس به الأقوال والأفعال.

علينا أن نتذكر حين نتكلم في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها أننا نتحدث إلى عدة فئات وعقول وأعمار فلا بد من أن نتأنى كثيرا في الطرح، وأن نضبط المفاهيم والأفكار، فهناك عقول ناشئة قد تتعلق بأي كلمة تقال ربما كذريعة لما في النفوس. وهوى النفوس يصرع العقول غالبا!

والذي أعرفه من خلال خبرتي المتواضعة في الحياة أن حقيقة النجاح تأتي بشكل مبسط، ولكن نحن نعقدها ونتكلف في تفسيرها. وقد أوضح لنا القرآن الحكيم ذلك بشكل سهل ويسير، يفهمه العامي والمثقف والعالِم، وهو في قوله عز وجل: «فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ» هذا مثال وتعريف لأهم أنواع النجاح (الفوز) بعمق وبساطة، وبعيدا عن التعقيد والسفسطائية.

abdullaghannam@