هناء مكي

بفضل الله نحن لا نواجه أي مخاوف في الأمن الغذائي، وقد تكون أسواقنا أقل خسائر جراء الحرب الدائرة، بل هناك بعض المغانم التي يجب اقتناصها من ارتفاع سعر النفط ووضع الإيرادات في خطط الطوارئ وإدارة المخاطرة الآنية وتعزيز الميزانية وتقليص المديونية وعجزها، ويمكن الاعتماد على حصص الاستثمارات السيادية وتخارجها، والدخول في فرص استثمارية موازية إثر الحرب الروسية - الأوكرانية واضطرار الدول الغربية للبحث عن استثمارات أخرى وأسواق أخرى، فهذه إحدى المغانم المؤاتية أيضا، التي يجب الاستحواذ عليها، فقد كشفت الحرب الحالية ضعف الجانب الاستثماري في الأمن الغذائي وتأمين الطاقة لديهم، وجدوى الاستثمار في البنى التحتية والابتكارات العلمية والصناعية متاح هناك الآن، والانفتاح الغربي على الرساميل الخارجية والبحث عن استثمارات في الخارج، هذا مع ضرورة الاستثمار فيما يؤمن حاجتنا لصناعات استهلاكية، فقد نجحت بعض دولنا الخليجية من فتح أراضيها لاستثمارات مصانع المواد الاستهلاكية العالمية، لذا أغلبها هي متوافرة لدينا، وهذه الشركات قد اختارت الدول الغنية بالنفط لتوافر المواد الخام فيها، وعليه فمثل هذه الصناعات المعاد تصنيعها في أسواقنا متوافرة وأسعارها الجمركية متاحة، ولا يمكن نفادها لأنها تصنع بأيد عاملة وطنية في الغالب.

ولكننا نتعرض من جهة أخرى لضغط اقتصادي (اجتماعي) عالمي يتمثل في الغلاء والتضخم الممهد للركود، في حال انعدام إيجاد الخطط البديلة أو انعدام المراقبة في السوق المحلية، هذه الأزمة وإن كانت مؤقتة ولكن وقت استمرارها مجهول، وهذا ما تشير له مصطلحات المحافل الاقتصادية بـ«انعدام اليقين، والضبابية» لعدم معرفة توقيت انتهاء الأسباب المؤدية إليها، وبالتالي عدم جدوى التوقعات المتنبأة بتأثيرها وحجم هذا التأثير المتفاوت.

فنحن أمام مشكلة سببها متعلق بالانخفاضات الكبيرة في الإنتاج الروسي والأوكراني، التي أدت إلى تقليص النشاط الاقتصادي العالمي بشكل مباشر وتقليل الطلب على الإنتاج من البلدان الأخرى، هذا التأثير وإن كان متواضعاً نسبياً، نظراً للدور المحدود لروسيا وأوكرانيا في نشاط التجارة العالمية، ولكنه يهدد النمو العالمي هذا العام وخفضه بأكثر من نقطة مئوية بأسعار السوق وبقرب نقطة مئوية من حيث تعادل القوة الشرائية وفق إحصائيات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، إذ تشير المنظمة في أحد تقاريرها إلى التأثير الرئيسي لروسيا وأوكرانيا في الاقتصاد العالمي ودورهما كموردين مهمين في عدد من أسواق السلع الأساسية، باستحواذهما معا على حصة بحوالي 30 % من الصادرات العالمية من القمح، و15 % للذرة، و20 % للأسمدة المعدنية والغاز الطبيعي، و11 % للنفط. بالإضافة إلى اعتماد سلاسل التوريد العالمية على الصادرات الروسية والأوكرانية من المعادن والغازات الخام.

ولكن حتى تنتهي الحرب ومسببات غلو الأسعار وتبايناتها وجب مراقبة السوق وفرق حمائية وقائية عليها لضمان الحفاظ على النشاط، وبعد إزالة المسببات ستعود السوق لسابق عهدها، فاليوم وبفضل التقنيات الرقمية والتواصل الإلكتروني لا توجد مخاوف من تأثير ما بعد الأزمات على الأسواق، لذا الحفاظ على السيولة ونشاط السوق المحلي الهدف والوسيلة الحفاظ على الأسعار بمعدل حيوي.

@hana_maki00