د. لمياء البراهيم

الحوكمة أداة تمارس الدولة من خلالها سلطتها في إدارة الثروات الاقتصادية والاجتماعية بغية تسريع التنمية. ولكونها عملية مستمرة فإنها تتطور وتتلاقى مع الإصلاحات الإدارية في كل مستوى من مستويات عمل الحكومة، وينبغي لذلك أن تتضافر الجهود كما شاهدنا بشكل جلي في الأزمات، ومنها جائحة كورونا من أجل تقديم نتائج أفضل إلى أوسع شريحة من الشعب دون تأخير أو تمييز مع تفعيل دور الرقابة والمحاسبة.

تعود جذور الحوكمة إلى بيرل ومينيس اللذين يعدان أول مَن تناول فصل الملكية عن الإدارة عام 1932م. لكن التفكير الجاد في هذا الموضوع جاء بعد أزمة أسواق المال في شرق آسيا عام 1997م، حيث أصدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مجموعة من المبادئ والمعايير، التي تعزز التزام المؤسسات بتطبيق متطلبات الحوكمة.

وكانت الأزمة الاقتصادية في اليونان سببا لتدخل البنك الدولي للمطالبة بحوكمة القطاع العام ومراقبة الخصخصة، حيث أثبت بالدليل القاطع أن الديمقراطية التي يتغنى بها الغرب ليست حامية للشعب ولا لثرواته ولا تمنع الفساد المالي والإداري، وأن تشريع وتنفيذ النظام بشفافية وتعزيز الرقابة والمساءلة المحاسبة ضرورة لحفظ المال العام.

كان أحد الأسباب للأزمة اليونانية هو غياب الشفافية الحكومية حول المستويات الحقيقية للدين الحكومي والعجز المالي، وإثقال الدولة بالديون وزيادة الدين الحكومي بزيادة 11 % عما تم الإبلاغ عنه، وتسبب ذلك بفقدان الثقة في الاقتصاد اليوناني محليا وعالميا وبالتالي حصولها على الدعم والمساندة الدولية والقروض من البنك الدولي.

يساند قطاع الممارسات العالمية للحوكمة البلدان المتعاملة مع البنك الدولي لمساعدتها على بناء مؤسسات تتمتع بالقدرة والكفاءة والانفتاح والشمول وتخضع للمساءلة سعيا للتنمية المستدامة ويقاس ذلك بقدرة الحكومات على توفير المنافع العامة بفعالية، ومساندة بيئة قادرة على خلق فرص العمل والنمو، ومعالجة قصور الأسواق، وإشراك المواطنين في هذه العملية.

استطاعت المملكة بقيادتها الحكيمة تخطي العديد من الأزمات وقامت بإصلاحات شاملة لامسها كل مواطن ومقيم سعيا للحفاظ على استقرار هذه الدولة الكريمة والصعود بها لمصاف الدول العظمى، ومن ذلك استخدام أدوات الحوكمة والتدرج في تطبيقها بجميع القطاعات، كما عاصرنا ذلك برؤية سيدي سمو ولي العهد محمد بن سلمان -حفظه الله-.

وتسعى المملكة بجهود جبارة للتغلب على الفقر وحل مشكلة البطالة وتمكين المرأة ورغم الضغوط الشديدة على الموارد، وسرعة تطور احتياجات الخدمات على نطاق واسع، وتغيير الموروث في النظم الإدارية التقليدية من مركزية إلى تشاركية، وكذلك التعامل مع الفساد المالي والإداري وتعزيز الرقابة الداخلية والخارجية.

بعد التعافي من كورونا بحسب توصيات البنك الدولي في أبريل 2020 للحكومات بأن تركز على الإصلاحات، التي تسرع من استجابتها لتقديم الخدمات أكثر مرونة، لذا نتوقع تسارعا مهولا في إلزام مؤسسات القطاع العام بما يثبت استجابتهم وتحقيق معايير الحوكمة المتفق عليها دوليا وهي سيادة القانون، الشفافية، المساءلة، المشاركة، النزاهة، الإنصاف، الفعالية، الكفاءة، الاستدامة.

كانت الجائحة فرصة من محنة كشفت عن منافع جعلت الأنظمة الحكومية السعودية أقوى مرونة وأكثر استجابة وقدرة على إدارة المخاطر والتعامل مع الطوارئ والكوارث والأزمات ما يجعلنا نتفائل بتكييف نماذج العمليات الحكومية وتقديم الخدمات والتفاعلات مع المواطنين، والتي تشمل خيارات الحكومة التكنولوجية لتحديث الخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين وللمستثمرين والشركات، وتعزيز القدرة والكفاءة والانفتاح والشفافية والشمول من خلال سياسات التغيير وإجراءات قابلة للقياس والخضوع للمساءلة وهو أمر حيوي لتعزيز النمو المستدام.

@DrLalibrahim