د. عبدالوهاب القحطاني

لقد أصبح الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته مصدر خطر على الوظائف التقليدية سواء في المجال الصناعي أو المجال التجاري بالرغم من فوائده الكثيرة للأفراد والشركات. ساهم التقدم العلمي في النهضة المتصاعدة والمتنامية للذكاء الاصطناعي. ويبدو أن الكثير من الوظائف التقليدية التي تعتمد على العنصر البشري بنسبة كبيرة ستنقرض ما يؤدي إلى الاستغناء عن الكثير من الموظفين في صناعات وخدمات تقليدية تستقطب مئات الملايين من البشر حول العالم. زادت تطبيقات الذكاء الاصطناعي بوتيرة سريعة وواسعة في السنوات العشر الأخيرة في الصناعات التقليدية مثل صناعة السيارات والمعدات الثقيلة، حيث نرى دوره اليوم في تطور الخط الإنتاجي الآلي في صناعة سيارات تويوتا وجنرال موتورز وكرايسلر وفورد وغيرها من شركات إنتاج السيارات. وقد تبنته شركة سيارات رولز رويس لتلبية الطلبات المتزايدة عليها لأن الصناعة اليدوية التقليدية ليست سريعة.

وستكون قيادة السيارة باستخدام الذكاء الاصطناعي من غير سائق من التطبيقات الثورية في عالم السيارات، وستتوافر قريبا في الأسواق ليصبح سائقها بلا وظيفة ما يفرض عليه تطوير مهاراته للتحول إلى وظائف الذكاء الاصطناعي ليبقى في سوق العمل محافظا على مصدر رزقه. وهنا تبرز أهمية مواكبة التطوير والتغيير في الإنتاج وليس مقاومته.

يتوقع بعض المنظرين أن يكون للذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence الأثر السلبي على الوظائف التقليدية من حيث اختفائها بعد سيطرة تطبيقاته عليها، لكنني أتوقع تولد وظائف أخرى تعتمد على العقل البشري في هذا المجال الجديد. ولقد كان هذا الخوف سائدا في الخمسينيات من القرن الماضي عندما دخلت شركة الحاسوب IBM في الصناعات الحاسوبية، حيث تخوف الكثيرون منه لأنهم اعتقدوا أنه سيخطف الوظائف منهم فقاوموا استخدامه في البداية، لكنه شجع صناعات تقليدية كثيرة على استقطاب الملايين من الناس حول العالم، بل ساهم في سرعة وجودة الإنتاج.

ولو سلّمنا بصحة ودقة المعلومات حول انقراض الوظائف التقليدية بسبب تبني تطبيقات الذكاء الاصطناعي لاستشرفنا ارتفاع معدل البطالة في الدول النامية والدول الأقل نموا لعدم قدرتها على المنافسة في هذا المجال، حيث ستتأثر قطاعاتها الصناعية والتجارية التقليدية من تدني الجودة وتراجع المنافسة ونمو معدل البطالة. ومن المؤكد أن جودة الحياة ستتطور وتصبح أفضل مما هي عليه اليوم إذا استغل الذكاء الاصطناعي لخير البشرية.

وعليه فإنه يتحتم على الموارد البشرية التقليدية تنمية مهاراتها التكنولوجية والمعرفية والتوجه نحو الوظائف التي تتطلب مهارات الذكاء الاصطناعي. فكونوا مبادرين ومبتكرين ومبكرين قبل تزايد تطبيقات اقتصاد الذكاء الاصطناعي وسيطرته على الساحة الصناعية والتجارية والاقتصادية. أرى أهمية مواكبة الموظفين من ذوي المهارات التقليدية للتطورات في مجالات الذكاء الاصطناعي والعقل الآلي حتى يستمروا في سوق العمل مدة أطول.

وسيكون للمتخصصين في تحليل المعلومات والبيانات فرصة كبيرة في سوق العمل الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي. وقد استحدثت الكثير من الجامعات برامج في الذكاء الاصطناعي وأخرى ذات علاقة به مثل مقرر تحليل البيانات، حيث تعد كلية الأعمال بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن من الكليات المهتمة بتحليل البيانات والمعلومات والتسويق الرقمي فقد استحدثت مقررات جديدة ذات علاقة بالذكاء الاصطناعي.

أما على مستوى الإعلام والدعاية التقليدية فإن الذكاء الاصطناعي أحدث ثورة في هذا المجال، بحيث أصبحت الوسائل التقليدية للإعلام والدعاية والإعلان في طريقها إلى الانقراض. وقد لاحظنا كثرة الإعلانات التجارية للأفراد والمؤسسات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي مثل السناب شات والانستجرام وتيك توك واليوتيوب، حيث لم تعد الصحف الورقية والتليفزيون والراديو من قنوات الإعلان الجاذبة للشركات والأفراد. وقد تراجعت إيرادات وأرباح الكثير من الشركات العالمية المتخصصة في قنوات الإعلان التقليدية بسبب منافسة الذكاء الاصطناعي الذي فتح الآفاق للمعلنين من خلال قنوات أقل تكلفة وأكثر جودة وتغطية حول العالم، لذلك يتحتم على الشركات المتخصصة في الإعلانات والدعاية مواكبة الذكاء الاصطناعي للاستمرار في صناعة الدعاية والإعلان وإلا فإنها ستخرج من هذا السوق بتكلفة عالية تتمثل في الإفلاس.

كلية الأعمال KFUPM

@dr_abduwahhab