غنية الغافري

مع كل الاحترام والتقدير لكل الآباء والاعتذار من التجاهل المتعمد لدورهم الكبير في الأسرة إلا أن بعض الآباء يعيشون في أسرهم برتبة سمنديقا الهندي ! وسمنديقا كما تقول الرواية هو رجل هندي لا شغل ولا مشغلة له سوى أنه يحرس بضاعة تجار الخليج القادمين للهند لغرض التجارة فيتركونها عنده ليقضوا بقية أعمالهم، فإذا مر عليه أحد وسأله عن سعر البضاعة يقول له أنا «سامان ديقي» يعني البضاعة ليست لي، أنا فقط أحرسها، فراجت الكلمة عندنا في الخليج لكل من نريد الانتقاص من دوره وإن كان دورا حيويا وفاعلا ومع تطور اللسان وميله للتعجم أكثر أصبح سمنديقا هو الكومبارس في عالم الأفلام والمسلسلات ولعلنا ونحن صغار نميل للعربية أكثر في اختيار الألفاظ فنطلق على هذا الشخص وصف «طير الشام» في ألعابنا الجميلة «لنفقع» كبد من يأخذ هذا اللقب !! ولا يخلو عالمنا البريء من المؤامرات والمكائد !

وهذه الأيام يحتفل أصحاب تقليعات «الأيام والأعياد» وصانعو المناسبات ورافعو الشخصيات ! بالأب بعد أن ضاق ذرعا من التجاهل رغم أن الأحاديث والتوجيهات الدينية لم تنسه من الحث على بره وذكر أفضاله على أبنائه وأسرته وأنه مصدر القوة والقوامة والتربية والتأثير إلا العولمة والإعلام والمشاهير سرقوا منه دوره وتقديره وهيبته، وأذكر في حينا أحد الآباء -رحمهم الله- كان قويا له سلطته وهيبته على أسرته بل على الحي وكان أحدهم «يمشي على العجين ما يلخبطوش»، كبر الأبناء وحاول أن يمارس الأب سلطته وأن ينتزع شخصيته إلا أن الأبناء وأمهم نازعوه إياها فلم يعد له كلمة ولا حل ولا ربط وأصبح يرى الخطأ أمامه فلا يرده بل ربما تسلطوا عليه وربما لو تجرأ بتوجيه أو نقد أصبح معنفا أو متعديا في القاموس الجديد !

بعض الآباء يحتفل مع أبنائه بتكريم أمهم وتوفير الهدايا وذكر أفضالها ثم ينصرف لمجلسه وتبقى الأم مع أبنائها يديرون الأسرة بعيدا عن الأب الذي يسمع عما يدور داخل بيته من الناس !! فلا حتى يأخذ رأيه أو يوضع في صورة الأحداث ! وربما تكون علاقته بأبنائه علاقة تقبيل يد ورأس في المناسبات رغم حاجته لهم بعد أن ضحى بشبابه من أجلهم ولا يتعارض حب الأم وعلاقة الأبناء بها مع تقدير الأب وعدم إغفال دوره وإشعاره بالحب الحقيقي الذي يعيد له دوره حين كان الأبناء صغارا.

والأسرة الصحية يمارس فيها كل من الأب والأم دوره في المنزل ولا يتعدى أحد على دور الآخر خاصة أمام الأبناء حتى لا تختل المنظومة التربوية، فالأب هو قوام الأسرة وعلى الأم أن تعزز هذا الدور ولا تهمشه مهما كانت عيوب الأب أو نقاط الخلاف بينه وبينها والأب بحكم عمله فهو يغيب كثيرا عن البيت وعلى الأم أن تثني على دوره وأن تضعه في صورة الأحداث وإن لم يكن حقيقيا ! فتوهم الأبناء أنها ستكلم الأب وتأخذ رأيه وربما تشعرهم بحبه مع حزمه وبخوفها من عدم قبوله أو أنه العنصر الحقيقي لمضاء الأمور وهكذا لينشأ الأبناء على احترام والدهم لأن بعض الأمور خاصة عندما يكبر الأبناء لن تستطيع الأم وحدها مجابهتها فلا بد أن تستند إلى الأب فيها فإذا فقد الأب شخصيته أمام أبنائه ستتعقد الحلول !

وأخيرا.. شكرا لكل أب حنون.. حازم.. مكافح.. صابر ويا أيتها الأم لا تجعلي من الأب ضيفا في بيته !! ولا تجعلي أبناءك أيتاما في حضوره ! حين يكون أبا حقيقيا يحمل كل صفات الأبوة..

@ghannia