عبدالله العولقي

القصة القصيرة لون أدبي ظهر في العصر الحديث، ويقال في بعض الأدبيات إن هذا الفن بدأ في روما الإيطالية، وتحديدا في الفاتيكان والذي يحتوي على صالة فسيحة تحتوي على عدد من الحجرات كانوا يطلقون عليها مصنع الأكاذيب،، ثم تطورت بعد ذلك في الحبكة والتشخيص والسرد، إلا أن قمتها في النضج والمكانة الأدبية وصلت على يد الطبيب الروسي الشهير أنطون تشيخوف.

نشأ أنطون تشيخوف في بيئة فقيرة جدا في إحدى القرى الريفية، ولكنه استطاع بفضل إرادته الصلبة وذكائه الفذ أن يكمل دراسته للطب، وبدأ يمارس مهنة الطب في عيادته ولكنه يلتمس أوقات الفراغ ليبدع ويتفنن في كتابة وسرد القصص القصيرة، واستطاع بإبداعه البارع، وقدرته الخلابة على لفت انتباه القراء في روسيا وأوروبا لنبوغه وعبقريته، وبعدها استطاع أن يحقق شهرة واسعة على مستوى العالم، وبعدها تهافتت دور النشر الأوروبية على ترجمة أعماله إلى لغاتها الحية، لتبدأ حكاية شهرته الأدبية التي اكتسحت العالم في الشرق والغرب في ذلك الوقت حتى لقبوه بأفضل من يكتب القصة القصيرة في العالم.

أما مسرحياته الأولى فقد لقيت فشلا ذريعا بسبب أنه ابتدع أسلوبا جديدا لم يكن معروفا لدى الكتاب من قبله، ولكنه أصر على الكتابة وثابر على التجديد ومعالجة الأوضاع الاجتماعية حتى حقق نجاحا منقطع النظير، ويتمسك تشيخوف بالبساطة المطلقة في أسلوبه القصصي وفي شخوص مسرحياته، وحتى حين كان الممثلون يطلبون منه إيضاح كيفية أداء أدوارهم كان يؤكد لهم أن كل شيء يجب أن يكون بمنتهى البساطة، وأن يأخذوا حريتهم في التمثيل والأداء، وأن الأمر الأساسي هو عدم اللجوء إلى الأسلوب المسرحي المصطنع.

استفاد الأدباء حول العالم من تجربة تشيخوف في كيفية استخدام المزاج العام للقصة والتفاصيل الدقيقة لإبراز النفسية الداخلية للشخصيات، كما اختط تشيخوف مسارا مختلفا عما ألفه الجمهور حيث إنه قلب التقاليد المسرحية بصورة شاملة، وبالتالي أحدث ما يمكن وصفه بأنه ثورة في عالم المسرح، وقد لقي تشيخوف من أدبه تقدير معاصريه، فامتدحه (ستانيسلافسكي)، وأثنى عليه الكاتب الروسي الشهير (مكسيم غوركي)، كما تذكر الصحافة الروسية أن الزعيم الروسي (لينين) ذكر أن تشيخوف هو كاتبه المفضل، كما نقده (هنري ترويا) بثناء عجيب، وقال عنه: إن وحدة الأسلوب عند تشيخوف من بداية القصة إلى نهايتها وحدة مذهلة حقا، وقلما تجدها عند معاصريه من الأدباء، أما معاصره الكاتب الروسي الأشهر ليو تولستوي فقد أرسل له عند اشتداد المرض الأخير عليه صورة بتوقيعه الخاص، وقائمة بثلاثين قصة من قصصه التي اختارها تولستوي كأفضل ما كتبه تشيخوف.

@albakry1814