د. نايف بن عيسى الشدي

مَن منا لا يطمح لأن ينال الأجمل والأرقى، بأسرع وقت وأعظم فائدة وأقل خسارة، في حين أن الدنيا في غالب أحوالها لا تسير على ما نشتهي، بل قد تخالفنا أكثر من أن تتوافق معنا، فنظل نكابدها وننسى أن نملك روائع -بين أيدينا- لم نلتفت إليها، طمعًا بما هو أروع، فلم نتلذذ بها، ولم ننَل ما نرجوه بغيرها، مع يقيننا بأن ومضات السعادة لن تعود إن فاتت، أو رحل عنا مَن نسعد به أو نحب.

وكما قيل:

«وردة واحدة لإنسان على قيد الحياة، خيرٌ من باقة كاملة على قبره».

فالجلوس مع مَن نعني لهم الكثير حبًّا وكرامة -كالوالدين مثلًا- يفقد روعته؛ لانشغالنا بمَن لا نعني لهم شيئًا، بل ويؤلمهم نجاحك أكثر من فرحهم بنقصك وتقصيرك.

يقول العقاد في كتابه «أنا»: لقد علمتني تجارب الحياة أن الناس تغيظهم المزايا التي ننفرد بها ولا تغيظهم النقائص التي تعيبنا، وأنهم يكرهون منك ما يصغّرهم لا ما يصغّرك، وقد يرضيهم النقص الذي فيك؛ لأنه يكبرهم في رأي أنفسهم، ولكنهم يسخطون على مزاياك؛ لأنها تصغّرهم أو تغطي على مزاياهم.

فهل يعني ذلك ألا نطمح في أن نستزيد؟ أو ألا نتطلع للمزيد؟

بالطبع لا، فالحياة تتطلب منا المبادرة والمثابرة والعمل بجد، والطموح لما يليق بنا، وإن تعثرنا في الطريق أو بأحد مفترقاته، واسأل مَن شئت من الناجحين، دراسيًّا أو علميًّا أو عمليًّا أو اجتماعيًّا...، سيجمعون على أن الطريق لم يكن معبَّدًا؛ إذ لا بد «دون الشهد من إبر النحل».

بقي أن نتفق على «الطموح» الذي يليق بنا، هل يعني الكمال؟

أم التلذذ بالاتجاه إليه، والتمتع بالطريق نحوه، والمغامرة للظفر به، دون الانكسار أو التردد فيما لو تعذر أو تبدل لأي سبب من أسباب الدنيا، وأذكر يومًا، كنتُ أنوي اقتناء أفضل حاسب آلي، فاحترتُ بين يدي البائع المصري اللطيف، فقلت له صدقتكم بقولكم: «عاوز تحيّره، خيّره»، فابتسم وردّ عليّ القول: «عاوز تشتري أحسن حاجة، مش حتشتري حاجة»! عندها عزمتُ، ولم أتردد، وقد قيل:

إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة ... فإن فساد الرأي أن تترددا

وتذكّر أن الحياة بك وبمَن تحب أجمل.

وأن الرغبة بالكمال، قد تحول دون الجمال.

@Nayefcom