أ. د. هاني القحطاني

في سابقة نوعية في تاريخ الكرة الحديث على مستوى المملكة والمنطقة وربما العالم عاش الوطن والرياضة والرياضيون مساء الإثنين أمسية تاريخية لم تشهدها ملاعب الكرة. فلأول مرة في تاريخ الدوري يستأثر صراع الهبوط على صراع القمة بالمتابعة والاهتمام، ليس لأن لقاء القمة لم يكن جديرا بالمتابعة، بل لأن أحد قطبي صراع الهبوط كان فريقا لم يكن يتصور أو يحلم أحد أن تصل به الأمور بعد ست سنوات فقط من استحواذه على بطولة الدوري والكأس وكأس السوبر أن يتذيل الترتيب. إنها لإحدى الكبر. الحديث هنا عن أحد الأربعة الكبار. الحديث هنا عن كيان، عن رمز، عن مجد تليد، هو حديث عن فريق كان صرحا من خيال فهوى. اجتاح نبأ هبوط الأهلي شاشات القنوات الرياضية ووسائل التواصل الاجتماعي كالإعصار إلى درجة انقلب فيها حال الدوري وكأن السباق كان حول بقائه لا من سيتوج بلقبه وهي سابقة لم تتكرر قط. عن ماذا نتحدث عن الأهلي؟. عن تاريخه؟. إليك هذه الحقيقة التاريخية، تيلي سانتانا صنع أحد أجمل فرق العالم قاطبة منتخب البرازيل عام 1982 الذي يعده البعض المنتخب الأفضل في التاريخ بعد منتخب 1970 أتى إلى الأهلي وصنع فريقا لم تشهده ملاعب الكرة لدينا. الأهلي على يد سانتانا وقبل سانتانا وبعده من أمثال ديدي ولازوراني، كما البرازيل أيام مجدها، لم يكن يلعب ليفوز كان يلعب ليمتع. الكرة في الأهلي كانت فنا. وهناك بون شاسع بين من يخوض اللعبة كفن ومن يخوضها كعراك حربي، لقد كان الأهلي يلعب في فلك لوحده.

الأهلي اسم وطن، إنه سفير الأندية السعودية، لونه لون العلم، ولأن الألقاب لا تأتي من فراغ فقد كان الأهلي في لعبه واثق الخطوة يمشي ملكا فلقب بالملكي، ولأنه أكثر الفرق تتويجا بكأس الملك سمي بقلعة الكؤوس ولأن الكرة في الأهلي كانت فنا فقد ارتقى بها إلى آفاق لم تعهدها الفرق الأخرى فسمي بالراقي، تماما كما هو جمهوره. هذا هو الأهلي، هذا هو الفريق الرمز، هذا هو الكيان.

عن ماذا نتحدث؟ منذ نشأته كان الأهلي المدد الأول للمنتخب، بل كان في بعض الأحيان هو المنتخب. عن ماذا نتحدث؟، عن أسماء أساطير الكرة، لن نفعل ذلك لأن المساحة المتاحة هنا لا تسمح بذلك. تكفي الإشارة إلى أن مارادونا قد ارتدى قميص الفريق يوما ما، كما أن لاعب القرن في تونس الشقيقة قد توشح بقميص الفريق لما يقارب عقدا من الزمن.

الأهلي الكيان كفريق بهذه المواصفات ليس أول فريق يهبط، فصعود الفرق وهبوطها أمر معتاد في دوريات كرة القدم. بايرن ميونخ عملاق الدوري الألماني، والسيدة العجوز عملاق الدوري الإيطالي، والإنتر وميلان، واليونايتد عملاق الدوري الإنجليزي أندية هبطت من الدوريات الممتازة. هبطت ثم عادت بأقوى مما كانت. الهبوط هو نتيجة حتمية لإخفاق أداء الكيان كمؤسسة، ورب ضارة نافعة. فلعل الكيان يرتب صفوفه ويعيد بناء مؤسسته ليعتلي قمة الدوري الممتاز حيث يكون.

هذا زمان المؤسسات، هذا زمان الاحتراف، لهذا وكالعادة فاز الفريق ذو المؤسسة الأكثر رسوخا حيث الاحتراف هو ثقافة الفريق إدارة وأجهزة تدريبية وفنية ولاعبين. وسجل الدوري لدينا يدعم هذه الحقيقة. الفريق الرياضي مؤسسة شأنه شأن أي مؤسسة أخرى، وبالتالي فإن نجاح الفريق من عدمه يعتمد على أداء المؤسسة.

لعل ما لفت الانتباه في هذا الحدث الرياضي الجلل هو ردة فعل الجمهور الرياضي العريض بمختلف انتماءاته. وقد كان الرقي هو عنوانها العريض، هذا هو الأهلي يغدق على الكل معاني الرقي، لقد كانت معظم ردود أفعال الجماهير راقية بقدر تعاطفها مع الراقي، هذا ما نتوخاه من جمهور الكرة لدينا فكلنا في الرقي شركاء.

الجبال الشامخة والأشجار الباسقة والقامات الفارعة والقلاع الحصينة لا تسقط أمام العواصف. هذا هو ما نتمناه لملكي الأندية السعودية.

تنويه: ورد في المقال السابق نسبة رواية قصة مدينتين للروائي الروسي ليو تولوستوي والحقيقة أنها للروائي البريطاني تشارلز ديكنز. لذا وجب التنويه.

Hanih@iau.edu.sa