عبدالله الغنام

الحياة تجري بنا وهي مليئة بالفرص، وهذه الفرص تتراوح ما بين صغيرة وكبيرة، وقليلة وكثيرة، وفيها ما هو مهم، ومنها ما هو الأهم والأفضل، والفطن الكيس مَن استفاد منها خلال رحلته في الحياة. ومن هذه الفرص مواسم الخير، والأيام الفاضلة مثل هذه الأيام العشر، التي نعيشها اليوم. بالإضافة إلى كونها عبادة هي أيضا فرصة مواتية للتأمل وأن يخلو المرء بنفسه. هي سويعات من ليل أو نهار نبتعد فيها عن صخب الحياة ومشاغلها، ومشاكلها وكدرها بحثا عن لحظات من الصفاء والتجلي. وهي أيضا فرص مهمة أن ينفرد الإنسان بنفسه بعيدا عن التقنية والجوال ومواقع التواصل الاجتماعي، التي اقتحم حياتنا بكل تفاصيلها حتى حديث النفس لنفس صار يُذاع علانية! فوا أسفاه على أيام كانت للخصوصية سمت وهيبة!

إن هذه الأيام العشر تأتي سريعا وستمضي سريعا، والحياة كلها من أولها إلى آخرة ومضة في عمر الدهر. وقد صدق الله سبحانه وتعالى حين قال: (هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا). إن عمر الإنسان في هذه الحياة لا يقارن بشيء فهو ضئيل جدا من عمر الأرض ( 4.5 مليار سنة) أو عمر الكون (13 مليار سنة)، والمقصد أن مثل هذه الأيام تأتي لتعويض ما قصرنا في أعمارنا وأوقاتنا، وحتى نلملم ما فات لعلنا ندرك شيئا من الخير قبل فوات الأوان، بل قد تكون آخر مرة نعيش فيها ومعها. وقد قيل عنها: إنها سريعة العبور ما تقبل الفتور، وقالوا أيضا: هي موسم قصير لا يحتمل التقصير. ومع هذا كله، فإن الواقع المؤلم أن البعض منا قد يعتريه شيء من التقصير والفتور والتراخي حتى في هذه الأيام العظيمة! ولكن من الحكمة والعقل إلا نستهين بأي عمل نقوم به في هذه الأيام المعدودة مهما صغر أو كبر سواء كان صدقة أو برا للوالدين أو صلة رحم أو صلاة وصيام أو غيرها من الأبواب والأعمال النافعة والصالحة. يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله-: «والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة، لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره». ومن فضلها وشرفها العظيم أن الله أقسم بها حين قال:(وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ). وكذلك جاء في فضلها قوله سبحانه وتعالي: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ).

وأما ما ورد من الأحاديث في فضلها، فكيفي قوله عليه الصلاة والسلام: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر. قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء). وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد). وبناء على ما سبق، فالمطلوب منا الحرص على الوقت فهو أثمن ما نملك وأسهل ما قد يضيع! هي عشرة أيام فقط من (365) يوما من السنة أي أقل من (3 %) وقد يكون فيها العوض للعام كله! وها نحن على مشارف نهاية العام، ولعل الخير كله في آخر شهر منه، والعبرة دوما بالخواتيم، ومَن فاته أشياء طوال الشهور الماضية، فلعله يتدارك ما بقي.

والمنطق يقول: ما لا يدرك كله لا يترك أهمه!

abdullaghannam@