سالم اليامي

‏ النكتة أو الطرفة موجودة حتى في السياسة وفي حياة السياسيين وخطبهم وتصريحاتهم، الذي يميز نكت أهل السياسة في ظني أنهم يقولون أحياناً كلاماً قريباً من الصدمة واللا معقولية ويطلبون من الناس قبوله وتصديقه والإيمان به. الساسة في إيران وحسب معرفتي بسلوكياتهم العامة كمتابع مراقب وبحسب المرجعية الأيديولوجية، التي تقوم عليها عندهم فكرة بناء الدولة ومشروعية التحرك السياسي لديهم القدرة على قول الشيء ونقيضه، وعندهم القدرة على التبرير والتفسير والسعي بجدية لإقناع المستمع أياً كان. اللقاء الصحفي الذي جمع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مع دولة رئيس الوزراء العراقي السيد مصطفى الكاظمي بتاريخ ‏السابع والعشرين من شهر يونيو 2022م قال فيه إبراهيم رئيسي ما لم يقله منذ تعيينه رئيسا في إيران في أوائل شهر أغسطس 2021 هو والفريق الذي معه كانت لديهم عبارات تدعو للوحدة والتفاهم والمصالحة مع دول المنطقة، خاصة مع المملكة العربية السعودية ولكن هذه التصريحات كان ينقصها دائماً البرنامج العملي، الذي يجسد تلك المقولات الإيرانية على أرض الواقع، يضاف إلى ذلك أن دول المنطقة تفهم اللغة السياسية الإيرانية جيداً منذ قيام ما يسمونه بالثورة الإسلامية في إيران، حيث إن العقل الإيراني يفسر الوحدة معه بالهيمنة ويفسر أبعاد الأطراف الدولية الخارجية عن شؤون المنطقة بالتفرد للتصرف الإيراني في كل أمور المنطقة السياسية والأمنية والعسكرية بعبارة أخرى إيران تبحث في مراوحاتها لعلاقات جيدة من دول المنطقة عن أتباع لا أنداد. دول المنطقة ونظرا لجملة من الاعتبارات ليس لديها موقف واحد من السلوكيات والأساليب الإيرانية وهذه في أغلب الرأي النقيصة الأولى في الموقف المقابل، ومع ذلك نقول اليوم الأحداث تتغير والأمور دولياً وإقليمياً تتطور، وقد تجد إيران نفسها يوما ما في مواجهة قوى لا تستطيع تخويفها إما دولية أو إقليمية.

‏الملاحظ خلال هذه الفترة أن إيران تفاوض مع الكل في ذات الوقت بغية تحسين صورتها كدولة ليست لديها صداقات على مستوى المنظومة الأممية، ولا تتمتع بسلوك طبيعي في تصرفاتها السياسية. الأدهى من ذلك خاصة فيما يتعلق بالصلات بين إيران والدول العربية وفي مقدمتها الدول الخليجية يميزها العمل الإيراني الظاهر الواضح للكل بأنها تدعم كل الأنشطة، التي تناوئ سياسات البلد العربية وتخرب حالة السلم والاستقرار فيها، ويعلم الجميع أن الهدنة في اليمن كأول نصر للمنظومة الدولية لإيقاف هذا الصراع هناك المستمر منذ سنوات كان محل اختراق من جماعة الحوثي، وتصل عدد تلك الاختراقات في بعض الأيام إلى المئات في مناطق مختلفة، والكل يعرف أن جميع تلك السلوكيات تجري بمباركة ودعم وتمويل إيراني.

المؤتمر الصحفي الذي تمت الإشارة إليه بين رئيسي والكاظمي في طهران أعلن فيه رئيسي لأول مرة أنه لا يريد الحرب أن تستمر في اليمن ودعوته لإيقاف الحرب تأتي في معناها العام والشامل إلى وقف العدوان الإيراني على جزء من الوطن العربي كما يمكن أن تعني هذه الدعوة أن الجانب الإيراني بوصفه وكيلاً ومغذياً للميليشيا الحوثية، التي تهدد الأمن والاستقرار في اليمن والمنطقة. إيران تضع عينها على مواقع أخرى ‏في المنطقة بمعنى إن كانت تتخلى اليوم عن ورقة الحوثي في اليمن فلا تزال لديها أوراق مهمة أخرى تستطيع من خلالها استمرار حربها ضد العرب في العراق ولبنان وسوريا.

إيران إبراهيم رئيسي تضع عيناً على مفاوضاتها مع مجموعة ‫5‏+1‬ في الوقت الذي تعزز في قدراتها النووية الصاروخية والباليستية وفي ذات الوقت تسعى إلى حل خلافاتها مع السعودية بالذات لإعطاء نفسها مزيداً من الشرعية والمقبولية في الداخل الإيراني والمحيط الإقليمي والمنظومة الدولية.‬

اختم بكلمة قالها لي أحد الأصدقاء وكان حديثنا يدور حول أدوار إيران‏ التخريبية في المنطقة: «رئيسي لا تؤمن بوائقه».

@salemalyami