هناء مكي

فوضى عارمة يُصاب بها الاقتصاد العالمي، لدرجة يصعب معها وضع توقعات سلسة أو تقريبية تبث الراحة للمستثمرين والمضاربين، وللدول والحكومات.

لقد انتكس الوضع منذ شهرين، ويواصل انحداره، وهو يؤثر بذلك حتى على الأنظمة والقرارات السياسية والحكومات والخطط الآنية، وعلى الشعوب في المقام الأول.

هذا الوضع كان بديهيًّا مع استمرار الحرب في معقل النشاط التجاري المتحكم بأكبر موردَين للسلع الأولية وهما (الغذاء والطاقة)، وأثر بذلك على مناطق التوريد والدول الصناعية أكثر من غيرها.

وبحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أدى ذلك إلى ارتفاع معدل التضخم على أساس سنوي في مؤشر أسعار المستهلك (CPI)؛ ليصل إلى 9.6٪، سجّل في مايو مقارنة بـ 9.2٪ في أبريل من هذا العام، مدفوعًا إلى حد كبير بأسعار الغذاء والطاقة، وتمثل هذه النسبة أكبر من زيادة الأسعار التي سُجلت في أغسطس 1988. إذ استمر تضخم أسعار المواد الغذائية في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في الارتفاع، ووصل إلى 12.6٪ في مايو، مقارنة مع 11.5٪ في أبريل، وقفز التضخم بأسعار الطاقة إلى 35.4٪ على أساس سنوي في مايو، مسجلًا ارتفاعًا بنسبة 32.9٪ سجلت في أبريل. وباستثناء الغذاء والطاقة، فقد ارتفع معدل التضخم على أساس سنوي إلى 6.4٪ في مايو، مقارنة بـ 6.2٪ في أبريل 2022.

كما شهدت منطقة (- G7 الدول الصناعية السبع، وتضم: كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة) زيادة في التضخم على أساس سنوي في مايو، وصلت إلى 7.5 ٪، مقارنة مع 7.1 ٪ في أبريل. وزادت في جميع دول مجموعة السبع، باستثناء اليابان التي استقرت (عند 2.5٪)، وسجلت أقوى ارتفاع بين أبريل ومايو 2022 في كندا وإيطاليا، وكانت أسعار الطاقة هي المساهم الرئيسي في التضخم في فرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان في مايو، بينما استمر التضخم (باستثناء الغذاء والطاقة) بالارتفاع في كندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.

والتضخم الجنوني أدى بالتالي لأن يُصاب العالم كله بارتفاع (فاحش) في الأسعار، وبالذات في بعض السلع الأساسية، وهو يمضي بالسرعة ذاتها دون توقف؛ الأمر الذي دعا مديرة صندوق النقد الدولي كريستينا جورجيفا إلى أن تصرّح بأن توقعات الصندوق ساءت جدًّا منذ أبريل الماضي، بل إن الصندوق يخفض توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي للمرة الثالثة، وقالت: «لا أستبعد إمكانية حدوث ركود عالمي في العام المقبل، في ظل المخاطر الضخمة القائمة».

في الحقيقة، هذا الأمر كان متوقعًا في حال استمرت الحرب الروسية على أوكرانيا، ولكن لم يتوقع أحد أن يكون بهذه القسوة والسرعة معًا، ويبدو أن الدول التي لا تريد للحلول السلمية أن تنتصر في الحرب هي مَن تتحمَّل وضعًا قاسيًا أكثر من غيرها، وهذا أمر ليس بجيد، فهي أيضًا دول صناعية، وأي تأثير على اقتصادها سيطال الدول الأخرى في العالم كله، وهذا ما حدث.

هذا دليل على أن الرابط اليوم بين الدول لا يحتاج لحرب عالمية لتتأثر، حتى القرارات الأنانية للدول الكبرى قد تؤثر في الاقتصاد العالمي، وهذا الوضع في حال استمراره، أجل.. قد يؤدي إلى ركود.

@hana_maki00