سالم اليامي

@salemalyami

الهدية عنوان محبة، ورسالة تقدير واحترام، أيًّا كان نوعها، وتزيد قيمة الهدية المادية والمعنوية عندما تكون صادرة من روح، ووجدان مَن يهديها، هذا بالضبط ما لمستُه في هدية أخي سعادة الدكتور ناصر الخرعان، روايته الأخيرة المعنونة بـ ريحانة الجنيّة والمقعد رقم 32 بعد قراءتي للرواية التي تحمل الكثير من التشويق والبساطة والهدوء الذي كما أعتقد أنه جزء من شخصية الكاتب، كما عرفته، يُبحر القارئ في عوالم كثيرة، العنوان الموازي بالنسبة لي كقارئ ولستُ خبيرًا أو مختصًّا في النقد أو التحليل الفني للرواية، هو السفر والارتحال والتحوّل من مكان إلى آخر بمعناه العام المتداول بين الناس، وبمعانيه الأخرى الأشد تعقيدًا، والأكثر غموضًا.

الدكتور ناصر نذَر نفسه في هذه الرواية لتبسيط الأمور إلى حدّ أن يجعل القارئ على ألفة تامة مع الأفكار والمفاهيم التي تحملها الرواية وهي كثيرة، وعميقة وذات دلالات ثقافية وحياتية.

لا أريد أن أُفسد الرواية على مَن ينوي قراءتها، لكن أقول إجمالًا إن الرواية عبارة عن مجموعة من الرحلات تتشابك وتتلاقى وتتقاطع في نقاطٍ معينة، وازَن بينها المؤلف بحرفيّة وتدرَّج بعرض مفهوم السفر والترحال والانتقال في معانيه القريبة والحسية التي مارسها أغلب الناس، إلى تلك الأبعد والأكثر غرابة وغموضًا للكثيرين، ويأتي الغموض في تقديري المتواضع من أن بعض الأسفار أو حالات الانتقال من عالم إلى آخر، ومن فضاء إلى آخر، كان محاطًا في الذاكرة الجمعية الثقافية لدينا بالخرافة والخوف والرعب أحيانًا، لكن المؤلف في رواية ريحانة الجنيّة والمقعد رقم 32 قرَّب لنا المسافة، ونجح في إقناع القارئ بأن هناك أمورًا كانت أحاجي وألغازًا وأسرارًا، حتى يمكن أن تمنطق وتقبل لدرجة أن تكون هناك حياة وحب وعِشرة خلف كل تلك المعاني.

البُعد المهم في الرواية، والذي ختم به المؤلف مشاهده الكثيرة والمثيرة هو القانون الصارم في حياة الناس، وأزعم أن الفكرة نبتت لدى المؤلف، كما تلمّستُها من خلال القوانين الكبيرة والصارمة في الحياة، والتي تجعل الإنسان يقبل بالنظام والقانون والأقدار أيضًا؛ لأنها نتائج حتمية للخيارات الحياتية، ومحدّد لحركتها وتفاعلاتها.

الفكرة الأولية التي بُنيت عليها الرواية هي فكرة الصداقة التي تنشأ عبر العلاقة الأولى في الرواية التي هي السفر والانتقال والتحوّل فالأصدقاء يلتقون في الغربة، ويكون لديهم فيض عجيب من الكلام والسرد والرواية لدرجة أن البعض يعتقد أن الكلام وجزءًا من الطريق أو أداة يقطع بها صعوبة الوقت، وربما قسوته. الرواية عبارة عن قصص ثانوية تأسيسية تمهّد للقصة الأهم والأبرز، قصة الجنيّة والإنسي، والعلاقة بينهما، وتتطور القصة بشكل يكاد يكون تقليديًّا من التعارف إلى الحب، ثم الزواج، وبعد ذلك يتدخل المؤلف ليصنع نهاية صارمة وصادمة إلى حدٍّ ما، لكنها نهاية يمكن معها أن تستمر الحياة وتبقى روابط الحب والاحترام والقربى فاعلة بين الناس، وربما بين الناس وغيرهم من الكائنات الأخرى، التي نجح المؤلف في أنسنة ما لا يؤنسن.

الشخصيات في هذه الرواية محدودة بعد قليل، ربما لأن الرواية بحجمها الذي لا يتعدى المائة صفحة لم يكُن يحتمل عددًا كبيرًا من الشخوص، أشخاص الرواية كانوا في الغالب ثانويين عدا شخصيتين رئيسيتين هما رجل من الإنس وفتاة من الجن، وأبرز المؤلف للشخصيتين ما يهم القارئ تقريبًا أو يوضح له الفكرة فقط.

لمستُ توازنًا واضحًا لدى المؤلف بين الحوارات التي تدور بين الشخصيات، وبين السرد والوصف، وأعتقد أن المؤلف حاول أن يجرّب نفسه في هذا الميدان الصعب، نقطة مهمة في الرواية حضرت بشكل لافت، وهي المكان والزمان، لم يغفل المؤلف هذين البُعدين، بل إنه في بعض المشاهد جعل القارئ يميّز المكان والزمان، ويربطهما بتقنيات الحاضر.

نقطة أخيرة لا أود أن تفوتني بعد قراءتي رواية ريحانة الجنية والمقعد 32 هي اللغة المرنة والمعبّرة، واستخدام جملة من الأشعار الرقيقة، زادت النصوص توضيحًا وجمالًا، والأهم أنها جعلت مَن يقرأ الرواية يفكر في الاتصال بالآخر في معناه العام، وربما البعيد، وإمكانية ذلك.