د. محمد حامد الغامدي

* حتى لو فاق سعر كيلو القمح المستورد 10 ريالات، ستظل المياه الجوفية أهم وأغلى. لماذا أصبحت هذه المياه الجوفية وكأنها بدون أهمية وقيمة وثمن؟ ندرة الماء في بلدنا -أعزها الله- تفرض علينا أهميته وقيمته وعلو شأنه. نعم نحن بحاجةٍ إلى أمن غذائي، وكذلك أجيالنا القادمة، لكن ندرة الماء تفرض نفسها، فنحن وأجيالنا بحاجة أكثر إلى أمن مائي مستدام. هذا يعني أن الماء حاضر بخطورته على الحاضر والمستقبل؛ ما يجعله المحور الأهم والإستراتيجي في حياتنا.

* مع مشاهد استنزاف المياه الجوفية الجائر وغير المدروس على زراعات غير إستراتيجية، وعلى زراعات عبثية، تطفو كثير من الأسئلة المقلقة. وحتى نستوعب أكثر من دروس وعِبَر الزراعات العشوائية، أطرح الأسئلة التالية: مَن الذي استنزف المياه الجوفية في ظل الهجرة الريفية العظيمة، ولماذا؟ أين ذهبت زراعة الطفرة؟ مَن هم أقطابها؟ أين تركّزت، ولماذا؟ تحت أي تبرير قامت عليه التوسعات الزراعية العشوائية الأفقية على حساب المياه الجوفية الثمينة؟ لماذا استمرت؟

* ممارسات زراعية عشوائية تتعمق مشاكل توسعاتها وتأثيراتها السلبية، كأن الجميع في حلبة سباق لاستنزاف المياه الجوفية غير المتجددة. مياه لا تقدَّر بثمن، جعلناها بدون أهمية وثمن. هل السبب اقتناص التسهيلات الحكومية الإدارية والمالية التي جعلناها بدون قيود، وبدون خطوط حمراء تخدم استدامة هذه المياه الجوفية؟ متى نجعل الدروس والعِبَر قائمة أمامنا تقود وتوجّه، تُنذر وتحذر لصالح مستقبل أجيالنا؟

* في ظل تهجير الفلاح السعودي الذي كان يمارس الزراعة كمهنة، كان البديل زراعة الشركات، والمؤسسات، ورجال الأعمال، وكبار الموظفين، والمتنفذين. ماذا يعني هذا؟ ألم يكن ذلك على حساب المياه الجوفية الإستراتيجية للأجيال القادمة؟ جاروا بتوسعاتهم الزراعية الأفقية العشوائية، وكنتيجة استفحل أمر استنزاف المياه الجوفية دون حسيب أو رقيب.

* ألم يكن ذلك التحوُّل الزراعي العشوائي لصالح العمالة الأجنبية غير المستدامة، ولصالح الشركات العالمية ووكلائها؟ ألم يكن الوضع أشبه بجمع الغنائم على حساب مياهنا الجوفية؟ إنها زراعة الاستنزاف، زراعة غير مستدامة. إنها زراعة الثروة والثراء، زراعة استحدثناها دون قيود، فسادت وانتشرت. إنها زراعة تجفيف مكامن المياه. لماذا جعلناها مغرية لأصحاب المصالح الشخصية، الباحثين عن الثراء السريع على حساب هذه المياه الجوفية الإستراتيجية حتى للأجيال القادمة.

* لماذا غابت التنمية الزراعية الرأسية المهمة لظروف ندرة المياه في بلادنا، حماها الله، وسقى أرضها؟ لماذا سادت التنمية الزراعية الأفقية، التي تحتاج كمًّا هائلًا من المياه؟ الوضع -في ظل المؤشرات- ما زال سائدًا.. لماذا؟ أين خبراء الوزارة المعنية ومسؤولوها؟ لماذا يتم تغييب المساءلة؟

* كأن المياه الجوفية سائبة ليست لها قيمة وشأن.. لماذا؟ المياه أهم من المال في ظل ندرتها. المياه في بلدنا تعادل أهمية الدم للإنسان، والوطن للشعوب والأمم. متى نصل إلى مستوى هذا الفهم فلسفة ومنهج حياة؟

* التنمية الزراعية الرأسية لا تتطلب الكثير من الماء، مقارنة بالتنمية الزراعية الأفقية، لكنها تتطلب نقلة علمية مرسومة بدقة وحذر. تحتاج إلى تطبيق ثورة معرفية تقنية زراعية هادفة، تراعي ندرة المياه وشُحّها في بلدنا المترامي الأطراف. تحتاج إلى بناء فلاح استثنائي بعقلية علمية تقنية، يواكب التطورات والتغيرات التقنية.

* متى تكون المياه الجوفية خطًّا أحمر أمام الجميع. متى يحكم استخدام المياه الجوفية قوانين وأنظمة صارمة وحازمة وملزمة تطبّق على الجميع؟ ما نراه على أمر الواقع مؤلم في ظل انتشار مزارع الترفيه، والوجاهة، وتضييع الوقت.

* أصبح الناس يتنافسون في التوسعات الزراعية غير الاقتصادية، كأن وظيفتهم استنزاف المياه الجوفية فقط.

* دروس وعِبَر الطفرة الزراعية وتوسعاتها العشوائية تؤكد أنها زراعة قامت على التوسع في حفر الآبار العميقة، لتلبية احتياجات التوسع الزراعي العشوائي الأفقي من المياه. هذا ساهم في استنزاف المياه الجوفية غير المتجددة، وبشكل جائر ومُخِل. بجانب ظهور أضرار أخرى عميقة. وضع -في ظل المؤشرات- سيجعل الأجيال القادمة تدفع حياتها ثمنًا لذلك، لا سمح الله. ويستمر الحديث بعنوان آخر.

@DrAlghamdiMH