عبدالعزيز العمري، حذيفة القرشي - جدة

قصر التنفيذ على الشركات الوطنية والمهندسين السعوديين يحفظ الهوية العمرانية

أكد مختصون أن إعلان صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، إطلاق المرحلة الثانية من مشروع تطوير المساجد التاريخية يعكس التزام سموه بتحقيق مستهدفات هذا المشروع الحيوي والحضاري الذي يستهدف إعادة الحياة إلى مواقع كان لها أثر تاريخي واجتماعي في تشكيل محيطها البشري والثقافي والفكري.

وأوضحوا لـ «اليوم»، أن تخصيص سمو ولي العهد للشركات الوطنية المُتخصصة بالتراث العمراني للمساهمة في تطوير المساجد التاريخية يعكس ثقة سموه بقدرتها على القيام بأعمال التطوير بما يُحافظ على الهوية العمرانية الأصيلة لكل مسجد مُنذ تأسيسه. كما أن المشروع يأتي مُتزامنًا مع مبادرات سموه المُتعلقة بحماية البيئة، حيث يُراعي المشروع إبراز المواد العمرانية من طبيعة المكان، وأصولها المكونة لعملية تجديد المساجد التاريخية.

إنعاش

السياحة الدينية

قالت مديرة برنامج الآثار والمتاحف بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، د. منيرة القحطاني: إن إعلان سمو ولي العهد إطلاق المرحلة الثانية من مشروع تطوير المساجد التاريخية ينسجم مع التوجيه الرباني: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَئك أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾، ففي رعايتها حفاظٌ على الدين، ومحافظةٌ على التراث.

وأضافت القحطاني: نحن كمؤرخات ومهتمات بالآثار والتراث المعماري في مملكتنا الغالية، نرى في مشروع سمو ولي العهد عملًا رياديًّا في مجال المحافظة على التراث المعماري وتجديده، والإفادة منه في السياحة. وندعو كليات السياحة والآثار في الجامعات إلى السير على نهجه ومنواله، وتطبيق ذلك المشروع في جميع المدن والمناطق الأثرية، لتحقيق الإفادة السياحية للمناطق.

تحفيز النشاط الثقافي

أكد المهتم بالقطاع السياحي والترفيهي محمد الخلف أن اهتمام سمو ولي العهد بالتراث الثقافي والمباني التاريخية للمساجد اعتناء بالقيم الحضارية والإسلامية التي تعد ثروة للمملكة ترتبط بالماضي وتحافظ على إرث معماري كون العمارة أحد المكونات الحضارية للإنسان وهي على مر العصور المرآة التي تنعكس عليها حضارة المملكة بخصائصها الدينية والاجتماعية والثقافية والسياسية. مبينا أن الاهتمام بتلك المباني وتطويرها وترميمها من قبل شركات سعودية متخصصة في المباني التراثية وذات خبرة في مجالها، يعمل على الحفاظ على الهوية الوطنية والاجتماعية وإنعاش النشاط الثقافي.

لافتًا إلى أهمية ترميم تلك المباني بما يتلاءم مع مناطق المملكة، فبعضها مبني بالأحجار وأخرى بالطين ‏والأخشاب المحلية التي تتميز بها كل منطقة، مشيرًا إلى أنه بعد الانتهاء من المرحلة الأولى للمشروع الديني الحضاري، بدأ عدد ‏من تلك المساجد في استقبال المصلين بعد الانقطاع عنها قبل فترة الترميم لسنوات طويلة، لتنطلق مرحلة جديدة لهذه ‏المساجد لتصبح رمزا دينيا تاريخيا من شأنه المحافظة على الإرث الديني ‏والعمارة الإسلامية وإعادة إحياء القرى التراثية وأواسط المدن ‏التاريخية.

مشروع تطويري متكامل

أضافت أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، د. حصة الشمري: «لفتة عظيمة من سمو ولي العهد «يحفظه الله» في تبني هذا المشروع المتكامل لتطوير المساجد التاريخية التي تُعد من أهم المعالم العمرانية التراثية التي تدلل على العمق التاريخي للمملكة، كما أن هذا المشروع سيعزز من المكانة الدينية لتلك المساجد القديمة وسيساهم في ترميمها وتهيئتها للصلاة من جديد بعد أن كادت تندثر وتتلاشى».

توفير فرص العمل

ذكرت الخبير السياحي عبير أبو سليمان، أن تدشين المرحلة الثانية من ترميم المساجد التاريخية بالمملكة يعكس اهتمام القيادة بالإرث التاريخي والإسلامي. مبينة أن عدد المساجد التي يشملها المشروع 130 مسجدًا تم ترميم 30 مسجدًا في ثماني مناطق منذ عام 2018 والمرحلة الثانية ستشمل 30 مسجدًا في جميع مناطق المملكة. مبينة أن الاستعانة بشركات سعودية لديها خبرة بالمباني التراثية تعني وجود ثقة بها وبالمهندسين السعوديين؛ للحفاظ على الهوية العمرانية.

وأكدت أن المشروع ينعش قطاع الاقتصاد، بتوفير العديد من الوظائف الجديدة وإنعاش قطاع السياحة المحلي، حيث ستتم زيارة تلك المساجد من قبل الجميع لأهميتها التاريخية. مضيفة: شاهدنا جمال المساجد التي تم ترميمها بطريقة احترافية، والتي يحرص معظمنا على زيارتها بعد الترميم. كما أن هناك مسجدًا في مرحلة الترميم يعود عمره لـ 1432 عاما.

بيَّن المستشار الاقتصادي هاني الجفري، أن الاهتمام بالمباني التاريخية وترميمها بما يتلاءم مع كل منطقة يحقق الفائدة الاجتماعية والسياحية والتي تنعكس على السياحة بما تلعبه من دور هام في الاقتصاد، وهذا الاهتمام من قبل المملكة نابع من الثروة التاريخية التي تمتلكها المملكة، والتي تمثل رأس مال هاما في خارطة السياحة التاريخية؛ كون تلك الحضارة تقف شاهدة منذ مئات السنين على الحضارة الإسلامية في مهد الرسالة وبلد انطلقت منه أعظم الأديان السماوية. وأكد أن مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يحقق 4 أهداف إستراتيجية، تتلخص بتأهيل المساجد التاريخية للعبادة والصلاة، واستعادة الأصالة العمرانية للمساجد التاريخية، وإبراز البعد الحضاري للمملكة العربية السعودية، وتعزيز المكانة الدينية والثقافية للمساجد التاريخية، ويساهم في إبراز البُعد الثقافي والحضاري للمملكة الذي تركز عليه رؤية 2030، عبر المحافظة على الخصائص العمرانية الأصيلة والاستفادة منها في تطوير تصميم المساجد الحديثة.

إعادة تأهيل الثروة التاريخية

لفتت الأكاديمي المتخصص في السياسات السكانية والتنمية د. عبلة مرشد، إلى أن مشروع تطوير المساجد التاريخية له قيمة دينية وتاريخية كبيرة، بالإضافة إلى أهميته الاقتصادية ودوره في تحفيز الاستقطاب السياحي لزيارة هذه المساجد وأهميتها في المحافظة على التراث التاريخي والديني الذي تزخر به المملكة، والذي جعلها مسرحًا لكثير من القامات والنماذج الحضارية والأحداث التاريخية التي مثلت جزءًا من تاريخ المنطقة، بل وسجلا حيا لتاريخ الأمة الاسلامية وما سبقها من الأديان والحضارات.

وأضافت إن دعم وترميم تلك المساجد فيه اعتزاز بإرث تاريخي وحضاري يستحق المحافظة عليه ويدعو إلى التذكير به والحث على الاهتمام بجميع موروثاتنا وتراثنا الحضاري والديني الذي أنعم الله به على هذا الوطن وسخَّر له قيادة تحافظ عليه وتصونه من الزوال والنسيان، مؤكدة أن المساجد التاريخية تعد إرثا وتوثيقا لذاكرة وطن ولتاريخ أمم بحضاراتها المختلفة لتتوارثها الأجيال.

توثيق ذاكرة الوطن

قالت الأستاذ المشارك بقسم التاريخ في جامعة الأميرة نورة د. أسماء الأحمد: «إن الاستمرار في الاهتمام بالمساجد التاريخية في المملكة وتدشين سمو ولي العهد، المرحلة الثانية من مشروع تطوير المساجد التاريخية يشير إلى أننا سنشهد نقلة نوعية في استعادة الأصالة العمرانية التاريخية للمساجد والمحافظة على هويتها وتدرجها التاريخي عبر العصور، إضافة إلى أنها ستكون بداية نحو هوية تاريخية مبهرة للعالم أجمع لما تحمله من تاريخ عظيم يجب المحافظة عليه».

استعادة الأصالة العمرانية