أكابر الأحمدي - جدة

يجسد المناسك بين الماضي والحاضر بأساليب متنوعة وألوان متفردة وطابع مختلف

لعبت المعارض التشكيلية دورا كبيرا في تجسيد أبرز معالم مشاعر الحج، فقد جسدت مشاعر الحج بين الماضي والحاضر بأساليب متنوعة وألوان متفردة وطابع مختلف، يصورها الفنان بريشته لإبرازها في أجمل تصوير بلوحة تمثل المشاعر الروحانية. «اليوم» ترصد مشاعر الحج برؤية الفنانين.

لغة بصرية

قال أستاذ تاريخ الفن والنقد الفني جامعة أم القرى د. عبدالله دخيل الله الثقفي: الفنانون المسلمون وغير المسلمين وجهوا أنظارهم إلى مناسبة الحج كشعيرة إسلامية ذات ثقل ديني وحضاري، يلتفت إليها العالم بأسره لما تمثله من أهمية دينية في العالم الإسلامي، فعبر الفنانون منذ القدم عن هذه الفريضة ومناسكها وما يسبقها وما يقفوها من أحداث تتعلق بهذه الشعيرة، ولذا فإن صالات المتاحف العالمية تشهد تسجيلا تشكيليا فنيا لمجموعات من الأعمال التشكيلية للفنانين عرب ومستشرقين، سجلوا ملامح الرحلة إلى الحج ومناسكها قبل اختراع الكاميرا وبعدها، ليصبح ذلك الفن سجلا تاريخيا لتلك الرحلة ولتلك الشعيرة العظيمة، فالمكتبات العربية والعالمية والمتاحف تزخر اليوم بما سجله الفنان العربي والمسلم منذ فجر الإسلام عبر المنمنمات والجداريات الجصية «الفريسكو» التي تحكي قصة الحج، فهذا المصور العربي الأشهر يحيى الواسطي يسجل من خلال منمنماته مشاعر الحج في كثير من أعماله، ثم تلاه الكثير من الفنانين عبر العصور الإسلامية المتعاقبة، ولم تكن هذه المناسبة جاذبة للفنان المسلم والعربي فقط، بل استرعت فريضة الحج اهتمام المستشرقين من الغرب، فأوقدت فيهم شرارة التعبير عنها، ومن أولئك الفنانين المستشرقين تشارلز ثيودور ميدلتون الذي صور انطلاق قافلة الحج من القاهرة إلى مكة المكرمة عام 1779م في عمل طباعي بأسلوب الحفر على النحاس، والفنان الفرنسي ليون بيلي الذي صور قافلة للحج في طريقها إلى مكة في لوحة زيتية عام 1861م، أما الفنان النمساوي لودفيج دويتش فقد قدم عشرات اللوحات التشكيلية عن المحمل المصري، ليوثق رحلة الكسوة المشرفة من مصر إلى مكة المكرمة كمظهر من مظاهر الحج في نهايات القرن التاسع عشر، ولا يزال الاهتمام بالحج كشعيرة دينية إسلامية تحرك مشاعر الفنان المعاصر وتسترعي انتباهه، ففي كل عام لا تكاد تخلو المنصات الثقافية والإخبارية من أخبار حول إقامة معارض تشكيلية تستهدف فريضة الحج وتعبر عنها من خلال إنتاج فني، لتؤكد أن ما تنقله اللغة البصرية أوجز وأسرع وأبلغ من اللغة المنطوقة أو المكتوبة.

جماليات اللحظات

وتحدثت باحثة الماجستير في مجال الفنون البصرية أنهار هوساوي قائلة: شارك الكثير من المبدعين في المملكة بالكثير من الأعمال التي تحاكي جماليات اللحظات في الحرم المكي الشريف وفي منى وعرفة ومزدلفة، سواء من الحجيج أو المساهمين في مساعدة حجاج بيت الله، وما تقدمه الدولة من دور بارز في هذا الموسم بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود -حفظهما الله وسدد خطاهما-.

التقنيات الجديدة

فيما قالت الفنانة التشكيلية خديجة توفيق: كان للمعارض التشكيلية دور كبير في وصف معالم الحج ورسم الكعبة يوم التروية، ورسم منارات المسجد الحرام في مكة والمسجد النبوي بالمدينة المنورة، ورسم وفود الحج في عرفات، وأتمنى من الفنانين رسم الحجاج في وقتنا الحاضر بالتقنيات الجديدة التي شيدتها الحكومة السعودية وجددتها للحجاج، إذ نطمح إلى المزيد والأفضل حتى يعلم العالم ماذا فعلت حكومتنا الرشيدة منذ الأزل إلى يومنا الحاضر.

أحاسيس وجدانية

وأكد الفنان محمد العسيري أن مشاعر وأحاسيس الفنان الوجدانية وقيمه الدينية تتأثر بروحانيات فريضة الحج، وأضاف: يتجلى ذلك فيما يقدمه من أعمال تصويرية لهذه الشعيرة العظيمة التي يكون صداها في العالم أجمع، ويحرص القائمون على المعارض والمنظمين على إبراز هذا الركن وتسليط الضوء عليه كل عام بحضور جماهيري من مختلف الجنسيات والديانات، وفي ذلك رسالة قوية ومؤثرة بأسلوب جمالي راقٍ لنشر هذا الحدث العظيم في أبهى صورة من خلال جمعيات الثقافة والفنون والمراكز الفنية.

حضور دائم

وأشادت الفنانة التشكيلية والكاتبة ليلى جوهر بحضور الفن التشكيلي السعودي الدائم في جميع المناسبات، ومنها التفاعل السنوي مع موسم الحج، حيث تجسد وتنقل اللوحات التشكيلية التي يقدمها الفنانون جمالية المشاعر المقدسة في مكة المكرمة وزيارة المدينة المنورة، كما يرسمون بأساليب حديثة متنوعة الحرم المكي كطواف الحجيج حول الكعبة المشرفة والوقوف بعرفة ورمي الجمرات، وأيضا يجسد الفنانون موروثا تراثيا للمعمار القديم والحديث لأطهر البقاع، وقالت: من الرائع أن الحاج أصبح يُستَقبل من مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة وعيناه تشاهدان لوحات تشكيلية ترحب بقدومه وتحكي عن مظاهر الحج تتصدر صالة وأروقة الممرات، ما يتيح للحاج الانبهار فيأخذ انطباعا حول ثقافة وانتماء ورسالة الفنان الدينية القوية لشعائره ولوطنه، وهنا يؤكد الفن التشكيلي ما وصلت إليه المملكة من تطلعات حضارية زاهرة مواكبة لرؤية 2030 بفضل ما أولته القيادة الرشيدة من اهتمام ثقافي وفني ملحوظ لإبراز الفن التشكيلي وتفاعله على الصعيدين المحلي والعالمي.

عنوان الحضارة

وقال التشكيلي صالح النقيدان: الفن التشكيلي عنوان حضارة الشعوب، فهو ينقل الصورة البصرية للمجتمع في بقاع العالم، لذا تنعم المملكة بكم هائل من الفنانين، خاصة الرعيل الأول الذي نقل صورا عن حضارات المملكة وتراثها الفني إلى جميع أنحاء المعمورة، وهذا الحدث الديني السنوي ما هو إلا إشارة إلى ما يقدمه الفنان التشكيلي من أجل دينه ووطنه وملكه، كما أتمنى أن يكون دوريا كل سنة ليكون مهرجانا تشكيليا مخصصا للحج.

مشاعر مقدسة

وأوضحت الفنانة مطلوبة عقل أنه في كل عام تتجلى ظاهرة لأكبر تجمع لمسلمي العالم في أيام معدودات من شهر ذي الحجة، قائلة: يا له من تجمع ملهم لكل ذي حس، خاصة مع النهضة الثقافية غير المسبوقة في المملكة والتشجيع غير المشروط للفن والفنانين في مختلف أفرع الفن، وعندما نذكر الحج يتحول تناول شعيرة الحج إلى موضوع عالمي يخاطب مختلف الجنسيات التي تدين بالإسلام، ورؤية 2030 فتحت الطريق الذي جعل الفنانين من مختلف الديانات يستشعرون قيمة حج البيت.

اللغة البصرية تنقل الأحداث بشكل أسرع وأبلغ من اللغة المنطوقة أو المكتوبة

الفن السعودي حاضر في جميع المناسبات خاصة التفاعل السنوي مع موسم الحج

مبدعو المملكة يحاكون جماليات اللحظات في الحرم المكي ومنى وعرفة ومزدلفة

مشاعر وأحاسيس الفنان الوجدانية وقيمه الدينية تتأثر بروحانيات الرحلة المقدسة