سعود القصيبي

@SaudAlgosaibi

لا شك في أن عنوان مقالي هذا سوف يزعج بعض الأصدقاء ممن لهم ولع في تربية أو الاستثمار بالمواشي كما مع الجمال والأغنام، إلا أن علينا أن نقولها كما هي وبشكل مباشر. والأمر هو أن بالفعل أغلب تلك الأتربة التي تأتينا وكما في تلك العواصف بقصص ألف ليلة وليلة من أهم مسبباتها هو تربية المواشي. فالتصحر ظاهرة لا بد من الوقوف على أسبابها، إلا أن علينا بنفس الوقت أن نعترف أننا دولة صحراوية قليلة العشب والمطر. أي أننا امام سباق ورهان مع الزمن إن استمررنا في ذات الطريق وما هي إلا فترة ولن يصبح لدينا حاشي إو حتى غنم. وليس الموضوع هو كما يحلو للبعض موروث للدفاع إنما نحن بالفعل أمام كارثة يجب الحد فيها من تربية المواشي التي تقتات على الأعشاب والأشجار البرية في الأراضي الصحراوية والبعلية.

ودعوني بداية أذكر كمثال ما حل بمنطقة السفانية والتي ومنذ عقود كانت محط نزه الربيع لأهالي المنطقة الشرقية. ففي السبعينيات الميلادية ولقرب السفانية من حواضر المنطقة الدمام والخبر ومن قربها للخفجي أصبحت المحطة الأولى للنزهة ولمخيمات الربيع. وكانت السفانية تعج بالمرتادين حتى أنك تشعر لوهلة وكأن كامل أهالي الخبر والدمام انتقلوا إليها. فما من خيمة تمر عليها إلا وتعرف أصحابها.

وكانت في تلك الفترة السفانية تعج بالأعشاب والأشجار البرية والزهور الربيعية وكأنها بساط إلى درجة أنك تتوقف مهما فعلت أو كنت مارا بجانبها لتذكر وتمجد عظمة الخالق من شدة جمالها. وهي تشابه في روعتها ما نشاهده بتلك الرسومات من اللوحات السريالية والتي تعج بها المتاحف العالمية. كذلك كانت السفانية تكثر فيها الحياة الفطرية من الطيور الصغيرة والجرابيع وحتى الأفاعي بكافة أحجامها وأنواعها. إلا أن ما حصل لها هو كارثة بيئية وأية كارثة.

فما أن بدأ إعطاء التأشيرات للرعيان وتوفير المياه للرعي، إلا وبدأت الحياة الفطرية والنباتية بمنطقة السفانية بالانقراض. وشيئا فشيئا تلاشت الأشجار ثم الأعشاب ثم الزهور وتبعتها الحياة الفطرية إلى أن أصبحت جرداء ليس بها روح أو حياة، تعج بالغبار المتطاير والذي تناقلته الرياح ليأتي إلينا بكافة الأمراض. فثمن ذلك باهظ جدا على البيئة والصحة العامة ومن تغير المناخ بما فيه من كلفة اقتصادية بأسباب علو الحرارة ولماذا؟

نحن نفهم أن هناك موروثات يهمنا الحفاظ عليها إلا أننا اليوم لا نجد راعيا سعوديا واحدا يمارس المهنة ذاك إن وجدنا. وما نراه ونشاهده هي عمالة وافدة لا تهمها البيئة أو الحفاظ عليها. وغالبا ما تجد تلك الأشجار الممنوع الاحتطاب منها ملقاة بجانب تلك المخيمات للرعي. وعندما تتضاعف أعداد المواشي فوق طاقة تلك البيئة الصحراوية على الاستمرار تذهب إلى غير رجعة.

الدولة حماها الله وباركها ووفقها برحمته سنت الأنظمة الرادعة عن الاحتطاب الجائر. كذلك عملت المحميات المتعددة لأجل المحافظة على البيئة ومن خط بلاغات عن المخالف. وقد شاهدت بعض تلك المحميات وهي مدهشة بالفعل وكأنك في غابة من كثرة أشجارها. كما شاهدت ورغم الأنظمة الرادعة استمرار الاحتطاب والرعي الجائر في الأماكن النائية البرية البعيدة عن الطرق والأنظار وحتى لخطوط الهاتف للبلاغات. وما الحل؟

في اعتقادي أنه لا بد من الحد من تأشيرات الرعاة أو على الأقل رفع كلفتها. كذلك لا بد من التركيز على تحويل الرعي الفردي إلى عمل مؤسسي ليمكن ضبطه. كما أيضا من التسهيل للاستيراد بتخفيف الرسوم أو إلغائها وتقليل إجراءات الاستيراد للمواشي سواء كان ذلك من الجمال أو من الأغنام وتشجيع وتسهيل استيراد المجمد منها. كذلك من زيادة أعداد المحميات وأقترح هنا دراسة إضافة منطقة السفانية بالمنطقة الشرقية منها كمحمية طبيعية يمنع فيها الرعي لتتم إدارتها من شركة أرامكو السعودية كما مثيلها بالربع الخالي لقربها من مناطق البترول.

المحافظة على البيئة هو أمر في غاية الأهمية والتصحر والتغير المناخي هو أمر عالمي، إلا أن علينا أن نقف على مسببه المحلي ونسد من تلك الثغرات المتمثلة في أن تربية المواشي خارج العمل المؤسسي المنضبط القائم على الأعلاف المزروعة هو من أهم أسباب التصحر وتصاعد الأتربة.