مجدة العنزي

من أخطائنا الفادحة كبشر، إصدار الأحكام المسبقة بشكل مطلق على كل من حولنا، دون مراعاة الجوانب الإنسانية المشتركة بيننا، لطالما اعتدنا على تصنيف البشر، تصنيفهم وفق معايير دينية وطائفية وثقافية وتقليدية وعرقية، وربما معايير أيديولوجية، هذه التصانيف دائما تنطلق من عمق توجهاتنا الشخصية، عمق تجاربنا وخبراتنا التي نظن أنها صائبة بكل الأحوال، والتي من خلالها نضع الآخر في إطار وقالب يتناسب مع الصورة المسبقة والمتخيلة في أذهاننا، كما يقول بيير كالام: «لا شيء أفظع من التعود، إنه يحول العادة إلى بديهة»، نعم، لقد اعتدنا على ذلك ...

يتوارد في ذهني سؤال، لا بد وأن يتوارد - على الأقل - في ذهن كل إنسان طبيعي، هل يحق لنا إصدار الأحكام على كل من حولنا وفق معايير - لم ندقق في صحتها - لمجرد وضعه في إطار وقالب معين مناسب لنا؟! وقبل أن أصدر أحكامي عليهم بشكل مطلق، لربما تراجعت عن أحكامي تلك المسبقة عليهم عندما أتساءل بكل صدق وواقعية، هل كانت لهم الحرية الكاملة في اختيار ما هم عليه الآن؟! أم أنها خيارات فرضت عليهم بسبب عوامل البيئة والتنشئة والتربية والظروف والأحوال المختلفة؟!

هذه التساؤلات تصل بنا إلى حقيقة يحاول البعض منا الابتعاد عنها لكي لا يفقد مهارته في إصدار الأحكام، وهي أن كل من حولنا - ونحن منهم أيضا - لم يكن لهم اليد في اختيار طريقة حياتهم بشكل كامل، فالبعض فرضت عليه تلك الخيارات، والبعض مثلا فرضت عليه طريقة تربية معينة مبنية على جهل بعض الوالدين في أساليب التربية، والبعض فرضت عليه ثقافة متباينة وبيئة مختلفة يجب علي احترامها عند تعاملي معه ...

يقول الله تعالى عن الحقيقة التي يجب أن نؤمن بها: (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم ۚ إن في ذٰلك لآيات للعالمين)، الاختلاف سنة إلهية في الكون، وفي كل شيء داخل في هذا الكون، اختلاف الألسنة والألوان والأجناس، اختلاف الثقافات والعادات، حتى داخل البيت الواحد هناك اختلافات بين أفراده ...

أؤمن أن كل شخص في هذه الحياة لديه جانب من سماحة الروح، سماحة الروح التي تجعله مقبولا بالتعامل مع من حوله، ولكن دون إصدار حكم عليه يبنى على جانب من جوانب حياته لم يعجبني شخصيا ولم يتوافق مع معاييري، ولم أستطع تصنيفه ضمن تصنيفاتي ومقاييسي المقبولة من جهتي، أيقنت تماما أن حل الكثير من المشكلات بيننا نحن البشر أساسها التقبل، تقبل الآخر كما هو، بشخصيته، بأفكاره، بقناعاته، بكل تقلباته وأحواله، دون حكم قاس وغير واع على ما يحب وما يكره، وهذا ما يدفعني دائما أن أسعى لتهذيب نفسي من هذه الناحية، حتى لا أقع في حكمي المتسلط على من حولي ...

وإجابة عن سؤالي في البداية، لا أرى أن لي الحق في الحكم على اختيارات الآخرين في هذه الحياة،

وعلى طريقة تفكيرهم وقناعاتهم، وكما يقول إبراهيم البليهي: «لكل فرد أنماط ذهنية تخصه تختلف عن أنماط الآخرين الذهنية، وبسبب اختلاف الأنماط الذهنية يختلف الأفراد في تفسيرهم للمواقف والأحداث والمعلومات»، لذلك يجب علينا تقبل من حولنا، كما هم، ومن غير أحكام متجبرة عليهم ...