أنيسة الشريف مكي

كتبت سابقاً تحت هذا العنوان، كلنا يبحث عن المشاعر، عن دفء العواطف.. يبحث عن الأمان.. عن الراحة والاطمئنان.. عن المودة الصادقة.. عن الصداقة الحقيقية، عن الحنان عن غذاء الروح.. خاصة في زمن الجفاف زمن الماديات وسراب العواطف.

واليوم أكتب مجدداً في نفس الموضوع، فالمشكلة لا تزال قائمة، والشعور بوجود فجوة أو فراغ عاطفي عند معظم الأسر مستمر.

حالة من الركود والملل تفقد الشخص الثقة بنفسه وبأنه غير موجود، فالجفاف العاطفي الذي يحدث بين الوالدين للأبناء أو بين بقية أفراد الأسرة بعضهم البعض، الزوج والزوجة، الإخوة والأقرباء والأرحام والأصدقاء، لا بد أن هناك أسباباً.

لأبدأ بأعراض الجفاف العاطفي بين الزوجين، فتور في المشاعر وبرود في العواطف، وروتين ممل ومميت، وصمت قاتل، يؤثر سلباً في التواصل بينهما ويحوله لضجر وضيق.

الخوف الأكبر على المراهقين حين يفقدون بوالديهم لقلة الجلوس والحوار معهم أو لعدمه، بالرغم من وجودهم في نفس المنزل مما يدفعهم للبحث عن التواصل مع الغرباء، الذين يمدون يدهم، وأم الكوارث عندما تكون هذه اليد ملوثة ولها أهداف سيئة فستقودهم حتماً للانحراف السلوكي والعاطفي، والغريب في سرعة هذه اليد، التي تمتد بالمغريات الهدامة كدفعهم للمخدرات كما ذكرت لتعاطيها في البداية ثم ترويجها في حالة تأثيرهم القوي على المراهق، الذي ليس له رقيب ولا يجد مَن يروي عطشه بالحنان والحب ويشعره بقيمته الذاتية، وبأنه مهم، والذي لا يجد مَن يفضي إليه بأسراره والأمور، التي تشغل باله وتشكل له تحديات تفقده الثقة بأسرته ومحيطه تقوده إلى الانحراف.

وأيضاً الشباب والفتيات كثير منهم لديهم جفاف عاطفي، ولنفس السبب، تربية صارمة جافة من العواطف، الدور الأساسي ينصب على الوالدين في كل مراحل التربية.

وقد تبدأ مشاكل في التركيز عند الأبناء، وصعوبة التحكم في مشاعرهم، وكثرة نوبات الغضب، وسوء تحصيلهم الدراسي، ووجود عقد نفسية بداخلهم قد تظل معهم طويلًا للأسف.

الآباء لديهم ما يشغلهم، نعم، العمل الذي لا بد منه لاستمرار الحياة وتأمين سبل العيش، فالحياة مليئة بالصعوبات والعيش يتطلب السعي وبكل قوة، لا بأس ولكن ليس على حساب مَن نحب.

ولا أعذر ربة البيوت المشغولات بأعمال المنزل، فالزوج والأبناء مسؤولية وأمانة.

جمود المشاعر قد يكون وراثيا، آمل تعديل السلوك وليس مستحيلاً، رجاء لندع مياه الحب تجري بانسياب ودون سدود، فركودها كارثة، وتجمعها دمار يشكل ترسبات عميقة رائحتها لا تحتمل، لندعها تجري لتكوّن أنهاراً تسحر الأبصار بمياه سلسبيل، وجمال خلاب، متعة ليس لها حدود.

من المزعج التعايش مع واقع جفت منابعه، وتحولت لصحراء جرداء خالية من إكسير الحياة، أكوام من أشجار جفت، وتحولت لأخشاب فقدت مرونة عواطفها، فاستحال معها وجود الحب والتعاطف الفطري للقريب والصديق والغريب.

aneesa_makki@