عبدالله الغنام

البدايات ثم البدايات ثم البدايات.. نؤكدها ثلاث مرات؛ لأنها مهمة جدًّا، فهي حتمًا حين نُحسنها تخفف علينا العبء في إكمال المشوار طوال السنة، وتقلل من احتمال التعثرات، حتى وإن وجد البعض منها، فإنها لن تكون بقوة وتأثير الذي لم يبدأ بداية صحيحة.

كانوا يقولون لنا في أيام الجامعة: احصل على معدل مرتفع خصوصًا في أول سنة؛ لأنك لا تعلم ما سيحدث لك من ظروف طارئة في السنوات التي تليها. والسبب أنك لو تعثرت في البدايات ستظل تكافح لسنوات أطول من أجل رفع المعدل التراكمي. وكذلك هي الحياة والخطط بشكل عام تحتاج لأن تحرص عليها منذ البداية، فكلما بدأت بصورة صحيحة وجدية سهل عليك الأمر في المستقبل، والعكس صحيح.

وقد قال محمد علي كلاي -رحمه الله-: «كرهت كل لحظة من التدريب، ولكني كنتُ أقول (لا تستسلم)، اتعب الآن ثم عِش بطلًا باقي حياتك».

وبعد هذه المقدمة التي كنتُ أقصد فيها أننا على أعتاب السنة الهجرية الجديدة، (جعلها الله سنة خير وبركات علينا)، ونطمح فيها لأن نرسم البدايات بشكل سليم، وأن نعرف ماذا نريد منها. فإذا كنت من أولئك الذين لا يحرصون على كتابة التفاصيل والخطط والأهداف، فلا أقل من أن تكتب الخطوط العريضة لما تريد أن تنجزه في السنة.

إن كتابة ما تريد تسهل عليك الرحلة، وتضيف لك شيئًا من راحة البال، وأيضًا تجعلك أكثر تركيزًا وأريحية خلال العام. بالإضافة إلى ذلك سوف تتمتع ببعض من الأوقات للاستمتاع وأخذ شيء من الراحة والاستجمام.

والواقع يقول إن الراحة بعد الخطة والتعب لها مذاق خاص. وسأكرر مقولة ابن القيم -رحمه الله- مرارًا وتكرارًا حتى ترسخ في الأذهان: «وقد أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يدرَك بالنعيم، وأن من آثر الراحة فاتته الراحة، وأنه بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة، فلا فرحة لمَن لا همَّ له، ولا لذة لمَن لا صبر له، ولا نعيم لمَن لا شقاء له، ولا راحة لمَن لا تعب له».

وأما أولئك الذين يسيرون على مبدأ (طقّها والحقها)، أي أنهم لا يخططون، وهم في الغالب (الفوضويون) فسوف تكون مهمتهم عسيرة طوال السنة؛ لأنهم منشغلون بالمهم عن الأهم، وحياتهم أغلبها حالة طوارئ.

ويزعم البعض أن ساعة واحدة من التخطيط توفر (10) ساعات من التنفيذ. وقد نتفق مع الأرقام أو نختلف، ولكننا نتفق على المبدأ أن الإنسان الذي يضع خطة تجده أقل ارتباكًا عند وقوع المشاكل والمعوقات؛ لأنه قد وضع خططًا لها. بمعنى أضاف وقتًا احتياطيًّا أو خطة بديلة أو إجراءات للطوارئ أو سمِّها ما شئت، المهم أن هناك مخرجًا من المأزق أو الأزمة التي قد تحدث.

ولعلنا لا ننسى أو مجرد أنك تفكر مع بداية السنة بالخطة أو الهدف منها، فهذا يمنحك دافعًا معنويًّا ونفسيًّا، وحافزًا على الإنجاز، بل في أسوأ الأحوال أنت منشغل بجدية ولا تضيّع الوقت والجهد هباءً منثورًا.

ودَع عنك الذين يتحدثون عن المعوّقات مثل الغلاء والتضخم الذي يطوف معظم دول العالم أو أولئك الذين يرددون أن الفرص قليلة! فحتى إبان ما يُسمى بـ(الكساد العظيم) الذي حدث خلال الثلاثينيات من القرن العشرين، كانت هناك ثمرات اقتطفها مَن كان باحثًا بلا كلل ولا ملل. ففي ظل أي أزمة اقتصادية عالمية تظهر فرص للمتيقظ، لم تكن موجودة من قبل، يقتنصها المتفائلون المحاولون، ولا يراها المتشائمون المتذمرون.

إذا كنت تعتقد بوجود الفرص أو عدمها، ففي كلتا الحالتين أنت على صواب!!

abdullaghannam@