سالم اليامي

مَن يتابع التطورات، التي يشهدها التونسي يتذكر كلمة تونسية مشهورة هي (الحالة تاعبة) واعتاد الناس وهم يختارون هذا التعبير برفع اليد اليمين إلى موازاة الوجه وترك الكف متدلية إلى أسفل مع تحريكها في الهواء إلى اليمن والشمال وبقدر ما تكون الظروف غير مناسبة والأوضاع تعبانة ومتأخرة عن الحالة الطبيعية بالعادة هذه الحركة، وهذا الاستخدام لوصف الوضع العام معبر ويكفي لإيصال الرسالة إلى المتلقي بكامل المعنى وبدون نقص أو زيادة.

الفلسفة التي يتبناها الرئيس قيس سعيد تؤكد أمرين: الأول عزم الرجل على القضاء على الفساد، وتفكيك مراكز القوى وإمبراطوريات نهب أموال الدولة والشعب في تونس. ما يعاب على أسلوب الدكتور الرئيس قيس سعيد أنه تعامل مع المشاكل وهي كثيرة بروح الأكاديمي النزيه، الذي يريد تطبيق المادة، التي درسها في الجامعات التونسية على مدى عقود. وربما ليس من حسن الطالع أن تعاقب على مقعد الرئاسة في الجمهورية التونسية في دورتين اثنان من الأكاديميين المنصف المرزوقي، وله شطحاته ورؤيته الخاصة للدولة وإدارتها، والدكتور قيس سعيد ومحاولته تطبيق الكلام، الذي كان يقوله لطلابه على مقاعد الجامعة، لا أقول إنَّ الأكاديمي أو الرجل القادم من الطبقة الثقافية والحياة النظرية غير مناسب لإدارة الدولة، أو غير كفء للوصول إلى مقعد الرئاسة في بلد له كثير من المشاكل ونقص في الموارد وتراجع كبير في الخدمات الأساسية. هنا يمكن أن نورد مثالاً ناصعاً على ما نقول لفترة الباجي قائد السبسي الرجل، الذي يملك خبرة عملية وهو في النهاية قادم من دهاليز الدولة العميقة والمؤسسة الحاكمة تقليدياً في تونس، الرجل حقق نجاحات جزئية في علاقات تونس بمحيطيها العربي، والإقليمي واستطاع الحصول على كثير من المساعدات، والمعونات من الأشقاء في الخليج وفي الجزائر واستطاع بناء جسور مع مؤسسات الإقراض الدولية. الأمور التاعبة وربما التاعبة جداً في البلاد التونسية تتفاقم مع حالة انقسام تطل برأسها على الجميع، وتتعلق بحركة النهضة، التي يبدو أنها بدأت تحشد أتباعها لماذا لا أحد يعرف، لكن الاحتقان موجود ووتيرته تزداد مع الوقت والطريقة القاسية، التي يتعامل بها الرئيس الدكتور قيس سعيد في مواجهة التداعيات، وتداعيات التداعيات، التي قد تدفع الأطراف المقابلة والتي تعمل تحت الأرض في تونس منذ عهد الحبيب بورقيبة في مطلع خمسينيات القرن الماضي.

اليوم أصبحت الانقسامات في المجتمع التونسي السياسي ظاهرة، متفاقمة، وتواجه بحالة عجز فيما يتعلق بالحلول الحقيقية. ومن المخاوف انزلاق الأوضاع هناك إلى حالة فوضى أو غياب حتى إن كان مؤقتا للدولة ومؤسساتها، يعزز هذه النظرة لدينا الصراع، الذي يخوضه الرئيس قيس سعيد مع منظمات تقليدية في الحياة التونسية مثل سلك القضاء، ورجاله. وفي الحقيقة إن إعادة تهيئة هذا القطاع وتنظيفه من الفساد والمحسوبيات عمل حيوي وضروري لاستعادة الدولة في صورتها المتخيلة في الجامعات، والمحاضن الثقافية، ومن نافلة القول التأكيد على أن القضاء في تونس منذ عهد بن علي وما بعده حتى عهد الثورة، الذي مضى عليها عقد من الزمن أو عشرية سوداء كما يقولون في تونس، هو صورة للقضاء في أي بلد العالم الثالث يعوزه التطور البنيوي والثقافي، ويعوزه الممارسة الديمقراطية الحقة. بعبارة أخرى المزايدة على استقلال القضاء ووصفه بأنه سلطة وليس وظيفة مغالطة كبيرة.

@salemalyami