محمد العصيمي

@ma_alosaimi

قبل أربع أو خمس سنوات كتبت مقالة بعنوان (خلاص يا محمد عبده)، نصحته فيها بالتوقف عن الغناء بعد أن بلغ من العمر ما بلغ، وبدأ صوته (يلذع) من ندرة الطاقة التي تمد حنجرته بتلك الوصلات البديعة.

طبعا لم يستمع الفنان الكبير إلى نصيحتي وحسنا فعل. هو في كل مرحلة، فيما يبدو، يجدد شبابه ويجدد حنجرته ويجدد علاقته بمحبيه، من خلال احترامه لنفسه وفنه، ومن خلال قيمة (الالتزام) التي يتمتع بها، مثله مثل الفنان عادل إمام في مجال التمثيل.

الفنان، كما قال الرواد وكتبوا، لا بد أن يمارس الالتزام القاسي إذا أراد أن ينجح وأراد أن تطول فترة نجاحه. ولذلك تساقط العشرات، إن لم أقل المئات من الفنانين المستهترين، على الطريق الذي سلكه محمد عبده، بينما هو لا يزال واقفا وشامخا، ويقف هذا الصيف، بعد السبعين، على خشبة دار الأوبرا في باريس.

المغريات أمام الفنان، المطرب أو الممثل النجم، كثيرة. وإذا افتقد القدرة على رفض هذه المغريات افتقد القدرة على احترام نفسه وجمهوره وبالتالي خسر نفسه وخسر جمهوره. المجاملات، أيضا، لا تقل ضررا عن الوقوع في المغريات، حين يقبل المطرب أن يغني كلمات سخيفة أو هابطة من أجل اسم فلان أو دراهم علان.

بالنتيجة ما من شك بأن محمد عبده بمثابة ظاهرة سعودية وعربية نادرة في كل شيء، ابتداء من سنوات المعاناة المبكرة في مسيرته، مرورا بهذه العقود التي لم تنطفئ فيها حنجرته العذبة، وانتهاء بهذا الرصيد الهائل من الأغاني الوطنية والعاطفية التي لا يكاد يمر يوم على أحد دون أن يرددها أو يتمثلها في حياته العادية والعاطفية. تماما، مرة أخرى، مثل عادل إمام الذي نتمثل، في كل حين، (قفشاته) الذكية والموحية في أفلامه ومسرحياته.