محمد علي الحسيني

التطرف ليس ظاهرة معاصرة، بل هو حالة مرضية اشتكت منها البشرية عبر العصور المختلفة سواء التطرف لأفكار أو معتقدات أو أنظمة أو آراء أو لإيديولوجيات معينة، وهو قائم على التمسك بآراء معينة وإقصاء الآراء الأخرى، ولا شك أن التطرف يقوم على العصبية بكل مظاهرها، لذلك أكد الإسلام أهمية الوسطية والاعتدال والابتعاد عن التزمت، فلا إفراط ولا تفريط، لذلك يقول المولى عز وجل في الآية 143 من سورة البقرة: (كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)، ولا شك أن للإسلام دوافعه، التي جعلته ينبذ هذا السلوك لما له من آثار مسمومة وتداعيات خطيرة على الفرد في حد ذاته وعلى المجتمع ككل.

التطرف ظاهرة مرضية

من المؤكد أن التطرف هو سلوك مناقض للفطرة والطبيعة، ويعكس حالة من الانعزال والانحراف الواضح عن الجماعة والمجتمع عموما، يسعى أصحابه إلى إلزام الآخرين بمعتقداتهم وأفكارهم على أنها هي الصحيحة والصالحة لكل زمان ومكان، ولا مجال لفتح الباب لمناقشتها، بل ومحاربة كل مَن يخالفها، فتجد المتطرفين دينيا يستندون إلى نصوص عقائدية مبتورة من سياقها ومفاهيمها الحقيقية ومحاولة تفسيرها بما يتناسب مع توجهاتهم، ومحاربة كل مَن تسول له نفسه تفسيرها بالوجهة المخالفة لهم، فبمجرد رؤيتك لهم تدرك أنهم يقبعون في عالم منزوٍ، جعلوا لأنفسهم طريقا مظلما ومجهولا يقوم على التخريب والتدمير، طريقا لا يشبه أبدا ما تدعو له الأديان والشرائع السماوية، فقد قال أرحم الراحمين: (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلّوا من قبل وأضلّوا كثيرا وضلّوا عن سواء السبيل)، فيكفي برهانا من لدن عزيز حكيم أن قالها صراحة في هذه الآية الكريمة بأن المتطرفين قد اتبعوا أهواءهم فضلوا وأضلوا عن سبيل الحكمة والرشاد.

الجماعات المتطرفة أكبر تهديد للبشرية

لم يعد التطرف ظاهرة تستهدف كيانا أو مجتمعا أو جهة معينة، بل بات يشكل تهديدا خطيرا على العالم بأكمله، فانتشار الأفكار المتطرفة لم تعد لها حدود جغرافية ولم تبق في مجرد آراء فحسب، بل تعدت ذلك إلى حيز العمل وارتكاب أفعال إجرامية باتت تشكل حالة من القلق والتوتر لدى مجتمعات العالم بأكمله، ولا بد أن ندرك أن هذه الجماعات المتطرفة استغلت الظروف الإقليمية والدولية المتوترة للانتشار وبناء أرضية لها تنطلق منها لتنفيذ أجندات جهات مختلفة تستغل هذه الجماعات لتنفيذ مصالح مزدوجة، وإن كانت هذه التنظيمات المتطرفة تتخذ من الإسلام جلبابا لها وهو ما زاد الطين بلة، فقد أدى ذلك إلى تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا، وازدياد المخاوف من الإسلام، وهذا يؤكد أن هذه الجماعات ما هي إلا أدوات مشبوهة بيد أصحاب الفکر الضال من الذين يسعون لأجل تحريف الأصول والمباني الإسلامية والتلاعب بالنصوص من أجل الافتاء بما لا يرضي الله، ولا يتفق مع النهج الاعتدالي التسامحي للإسلام، کما أنه لا يخدم أبدا المصالح العليا للأمة الإسلامية.

إن مواجهة التطرف هو واجب على العالم بأكمله يقوم على التعاون الجاد بين مختلف الجهات الدولية وأتباع الأديان لوضع إستراتيجية تنطلق من أهمية نشر ثقافة الانفتاح والاعتدال والتسامح لتكون ضربة قاسية في نعش هذه الجماعات الضالة.

@sayidelhusseini