سعاد الغامدي

يا حسين أنا عيني

سهيرة ما تذوق المنام..

عندما تتغنى بها الفنانة الرائعة (هدى حسين) تأسر قلوبنا وتجذب أرواحنا، أبدعت تجسيد الدور في مسلسل (كف ودفوف) كيف يفسر المنظور الديني والنفسي والاجتماعي تفاصيل هذا المسلسل، هنا سأكتب ملامح من هذه المناظير.

مسلسل كف ودفوف يحكي دراما الحياة الاجتماعية للكويت، خلال فترة الثمانينيات ويتخلل المسلسل صراع بين فرقة موسيقية وأخرى منافسة لها، ويعرض الكثير من العلاقات الاجتماعية المعقدة والصراعات المختلفة وفي حين تفرقهم مصاعب الحياة تجمعهم بساطة الموسيقى وخفة الروح.

‏يعرض المسلسل قصة سليمة تعمل كمغنية شعبية في الأفراح (طقاقة) يتعرض زوجها وولدها لحادث مميت، وعندما يصل الخبر لسليمة تنقلب حياتها رأسا على عقب وتصاب بصدمة قوية تجعلها تشاهد ما لا يراه غيرها ويظن المقربون منها أنها ترى (الجن) وأن هناك «جني» يتلبس بها.

تلبس الجن بالإنس من منظور ديني قال (المغامسي): التأثير بالوسوسة ثابت (فوسوس لهما الشيطان) وغير ذلك من التأثير محل خلاف، فأكثر الجمهور من العلماء يرون أن الجن لديهم القدرة أن يدخلوا في الجسد محتجين بأحاديث، وبعض العلماء يقولون لا يصل إلى أن يدخل الجني في البدن إنما هي تأثيرات نفسية.

من المنظور النفسي، تعرضت (سليمة) لفقدان زوجها وابنها بالتزامن مع الأعباء النفسية والمراحل الانتقالية، زواجها برجل ثان وموته في حادث تفجير وأيضا إعدام ابنها الآخر جميعها تجارب أدت لإصابتها (بالذهان/Psychosis) أصبحت تسمع أصواتا لا يسمعها الآخرون وتتلقى رسائل من عالم خيالي لا يمكن رؤيتها.

يا حسين أنا عيني سهيرة ما تذوق المنام

ارتبطت (سليمة) بتفاصيل هذه الأغنية مؤججة داخلها كل الاختلاجات النفسية، قاست من متلازمة (النوستالجيا) حالة مرضية وشكل من أشكال الاكتئاب وهي الحب الشديد والتعلق بالماضي بشخصياته وأحداثه.

‏من المنظور الاجتماعي (هوارد بيكر) كتب عن نظرية الوصم في كتابه الموسوم الفكر الاجتماعي من الخرافة إلى العلم، نظرية الوصم تعالج نظرة المجتمع نحو الفرد وما يقوم به من سلوك وممارسة بناء على النظرة التي يحملها المجتمع تجاهه.

عانت (سليمة) من وصمة العار الاجتماعية ومن أنواع السلوكيات المتحيزة والتصرفات العنصرية الموجهة ضدها، أولا كونها مغنية شعبية بالأفراح حتى أن ابنها الكبير نعتها ذات مرة وقال لها (أبوي كيف أخذك) ثانيا إصابتها بالذهان ومراجعتها للطبيب النفسي.

أيضا عانت (سليمة) وصمة العار الشخصية وما تشعر به من اضطرابات نفسية تجاه مرضها ومشكلتها النفسية، حيث أثرت هذه الوصمة بشكل كبير على مشاعر (سليمة) مسببة لها الحرج والخوف فأصيبت بـ (هوس نتف الشعر) حالة نتف مستمر لشعرها وظهور الصلع الذي أجبرها على ارتداء (الباروكة) وإخفاء شعرها عن أقرب الناس لها.

ثقافة المجتمع والأساطير والخرافات الشعبية هي المصدر الفعال والمؤثر في تكوين وتغذية هذه الصورة النمطية عن الجن، فالجن لا ينكر وجوده ولكن لا ينسب له كل مرض وعلة فجهل المجتمع بالطب النفسي وعدم إيمانهم بالتوعية وتغيير قناعته تجاه هذا الأمر حتى أصبحت الثقافة السائدة أقوى من أي رأي طبي.

@Coach_soaad