د. أحمد بن محمد السالم

في يوم الأربعاء الموافق 21/12/1443هـ، أدرك الأجل المحتوم أحد أعيان المنطقة الشرقية، وواحدًا من وجهاء شقراء العلم والأصالة، ألا وهو الوالد الشيخ عبدالعزيز بن محمد بن عمر المقرن، جد أولاودي وعميد أسرة المقرن، أسرة كريمة، تاريخها عريق، ومسيرتها العطرة متجذرة بين الأهالي في شقراء العزيزة.

انتقل والدنا إلى الباري عز وجل، وقد خلَّف وراءه سُمعة طيبة، وذكرى حسنة، وسجلًّا حافلًا بالأعمال الإنسانية والخيرية، ودروسًا وعِبَرًا للأجيال القادمة، لم نعرف الكثير منها إلا بعد وفاته - رحمه الله - من أقوال الذين قدَّموا واجب العزاء في منزله، وتوافدوا إلى المسجد والمقبرة، لوداعه إلى مثواه الأخير، والترحُّم عليه، والدعاء له.

عبدالعزيز بن محمد المقرن «رحمه الله»


استذكروا له مواقف في بر الوالدين، وصلة الرحم، كم من أفراد أسرته شدَّ من أزرهم في المِحَن والملمَّات، فلا يحل في العائلة حزن إلا وهو جزء منها، يداوي الجراح والآلام، ولا حالة فرح وسرور إلا وهو شريك فيها ومساند لها.

لا تكاد تفارق وجهه الابتسامة التي ترسم في نفوس أهله ومحبيه وجلسائه البهجة والسعادة، يدخل منزله، وقد ارتسمت على مُحيَّاه ابتسامته المعهودة، يضيء بها أركانه وفناءه، مهما كانت ظروفه وأحواله، سعادته وراحته هي في سعادة الآخرين.

وبالرغم من انشغاله، ولعشرين عامًا في خدمة الدولة كممثل مالي في المنطقة الشرقية، لم يغفل عن تنشئة أولاده التنشئة الاجتماعية السليمة، حيث غرس فيهم مكنونات الردع الذاتي في الابتعاد عن كل ما يُخِلُّ بقيمنا وأخلاقياتنا، وتقبُّل إيجابيات العصر وتطوراته دون عزلة أو انطواء.

وشاركته في ذلك، الوالدة الفاضلة لطيفة بنت الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الجميح، امرأة صالحة تربَّت في بيت دين وعِلم وثقافة، ووقفت بجانب المرحوم بإذن الله في عافيته وسقمه. وكذلك لازمه ابنه البار (نواف)، وهو على سرير المرض، والذي أعياه لسنوات، كثمرة لهذه التربية الصالحة والتضحيات الأبوية.

ومن الخصال الحميدة والمشهود بها لفقيدنا، التزامه بالواجبات ووفاؤه بالحقوق، لا يخشى فيها لومة لائم، واضعًا مخافة الله نصب عينيه، وليس أدل على ذلك مما قيل عن دِقته في ممارسة عمله كمحاسب قانوني، حيث يُعدُّ مكتبه بالمنطقة من أفضل المكاتب نزاهة وموثوقية ومصداقية.

وكان له حضوره المميز في المنطقة؛ إذ يُعتبر مرجعية لزملائه، رجال الأعمال والمستثمرين، في إبداء الرأي والمشورة الصادقة. وكان سابقًا لزمانه في التخطيط والتفكير المستقبلي، وليس ذلك بغريب، وقد ترعرع في وسط عائلة تجارية كثيرة التنقل والأسفار إلى الخارج، مما أتاح له فرصة الاطلاع على المستجدات والتطورات في العالم المتحضر ومواكبتها، وذلك بذهنية متفتحة، وبوعي وإدراك للغث من السمين، فخور بانتمائه لتراب هذا الوطن العظيم، لم يتزعزع قيد أُنملة عن دينه وقِيَمه.

ومن هنا جاء صدقه في التعامل وجديته في العمل والعطاء، مِقدامًا وحاسمًا في آرائه وقراراته، لا يقبل أنصاف الحلول. فكسب احترام وثقة الجميع، وأهابه الصغير والكبير، وبقي مرحًا تأنس بالحديث معه، وتشدُّك إليه سرعة البديهة، وعفوية الرد، وابتكار الحلول والمعالجات، فتأتي إليه مهمومًا مكتربًا، وتخرج منه متفائلًا مرتاح البال.

نعم فقدنا نجمًا ساطعًا، وشمسًا مُشرقة لأهله وذويه ومحبيه، وسيفقده المعوزون والمحتاجون الذين يمد لهم يد العون والمساعدة في جنح الليل لعقود من الزمن، بدون رياء، يبتغي بذلك وجه الله، والأجر والمثوبة، أعمال الخير والإحسان رحلت معه، وسيجدها عند رب العالمين في موازين حسناته بإذن الله.

خِصال المرحوم كثيرة وعديدة، لا يتسع المقام لذِكرها، وكم كان بودي أنه اليوم على قيد الحياة؛ ليعايش مرحلة التطوير والتحديث التي تمر بها بلادنا الغالية، وكم يُسعده ما اتسمت به هذه المرحلة من المزج بين الأصالة والمعاصرة؛ لمسايرة الدول المتقدمة علمًا وفكرًا ونماءً وازدهارًا، فاستبشر أولاده وأحفاده خيرًا، وشاركوا في هذه المسيرة التنموية المباركة بحماس واندفاع، من منطلقات انتمائهم للوطن، وولائهم لولاة الأمر.

وختامًا، اللهم اغفر له وارحمه، وآنس وحشته، وأنزل على قبره الضياء والنور والفسحة والسرور، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة مع الشهداء والصِّدِّقين، واجعل ما أصابه من شدة وضيق تكفيرًا وطهورًا ورِفعة له في دار القرار.

كل الشكر والتقدير والامتنان لمَن قدَّم العزاء والمواساة في فقيدنا الغالي، وتحمّل عناء ومشقة السفر، سواء من الداخل أو الخارج، تقبَّل الله دعاءهم، وأجزل لهم الأجر والمثوبة، وجزاهم عنا خير الجزاء، وحفظ الله الجميع من كل سوء ومكروه، (إنا لله وإنا إليه راجعون).

* نائب وزير الداخلية سابقًا