عبدالله الزبدة

مما يؤلم النفس ويجهدها نكران الجميل، عندما تمد يد المساعدة لأي شخص وبدلاً أن يردها بالمحبة ووفاء ينكر جميلك وإيذاء تلك اليد، التي ساعدت وأعطت بكل إخلاص، فهذا الفعل من السلوكيات السيئة التي تتفاوت درجتها من شخص إلى آخر، وهو أحد الأنماط السلوكية التي تصدر عن البعض بشكل مباشر أو غير مباشر، وصفة إنكار الجميل من الصفات المذمومة والأكثر شيوعاً إذا وجدتْ بأي شخص كانت دليلاً دامغاً على خسة نفسه ودناءتها، علاوة على مرض قلبه ونقص إيمانه، بل إن هذه الصفة تتنافى مع الطبيعة الإنسانية السليمة، التي تحب بطبيعتها مَن أحسن إليها، وإحدى الصفات المدمرة لصاحبها ودلالة على معاناته الداخلية، وعدم سلامة شخصيته من الناحية النفسية، فتكشفت الخبايا وأظهرت المشاعر بشكل واضح.

فعندما نتجاهل صفات منكرين للجميل اجتماعياً هذا لا يعني أنها غير موجودة، فالبعض له أوجهه متعددة وأسباب، منها المقصود المتعمد والعفوي غير المقصود، والبعض يبيت نوايا سيئة، أحياناً لا نعير انتباه لمَن يسرق حقوقنا وتعبنا وأحياناً أخرى نشعر بالغيظ والاستفزاز من هذا الفعل ونرغب بمعرفة أسبابه ومبرراته، فنكران الجميل أو المعروف ليس أمراً جديداً، وقد وصفه العرب في السابق بأنه دليل على دناءة النفس، فأصحاب هذه الصفة المعروف لديهم ضائع، والشكر عنده مهجور، وتحقير المعروف الذي أسدي إليهم، وعدم الوفاء للمحسنين، ذكرهم الله في القرآن الكريم، وقال فيهم (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها)، أما النفس البشرية السوية فتحب مَن أحسن إليها، بل الإحسان يقلب مشاعرها العدوانية إلى المشاعر الحميمية، وقد دعا ديننا الحنيف إلى الإقرار بالجميل وتوجيه الشكر لمَن أسداه إلينا حتى تسود العلاقات الطيبة في المجتمع، بل أُمرنا بالدعاء له حتى يعلم أننا قد كافأناه، والأطباء النفسيون ينصحون مَن يجد في نفسه ميلاً إلى نكران المعروف أو الجميل بأن يلجأ إلى الاستشارة النفسية لدى أحد الأطباء النفسيين على الفور، وذلك من أجل المساعدة في تشخيص جوهر مشكلته، وبالتالي تقديم الخيارات العلاجية المتاحة من أجل تغيير سلوكه، وإخراجه من هذا السلوك السلبي، الذي ينتج عنه في الغالب خسارته لعلاقاته الاجتماعية، فالزوجة لا تنكر فضل زوجها والزوج لا ينكر فضل زوجته والأخ لا ينكر فضل أخيه والصديق لا ينكر فضل صديقه، والمدير لا ينكر فضل موظفيه، والموظف لا ينكر جميل مديره.

يؤكد باندورا في نظريته التعلم الاجتماعي، أن سلوكيات الإنسان متعلمة من الآخرين من خلال اختلاطه بهم، ومنها النكران والجحود، وتفسير هذه النظرية يؤكد أن النكران سلوك ناتج عن المخالطة والمعايشة في الأسرة والمدرسة والمجتمع، ولا علاقة للوراثة أبداً فيها.

باختصار... تذكر دائماً معروف الناس عليك، حتى لا يذكرك به الزمان رغم عنك.

@alzebdah1