أروى المزاحم

أثبتت الرقمنة منذ بداياتها في التسعينيات بأنها ثورة حقيقية ومتجلية، خصوصا في مجال الشركات والمجالات الخاصة، فقد أدى ظهورها لاختصار الكثير من المحفوظات الورقية وعدد لا يحصى من المجلدات والملفات داخل المكاتب، ثم في عام 2020، الذي شهد العالم من خلاله مفاجئة جائحة كورونا ذات التأثير السلبي من وجهة نظر غالبية الناس، إلى أنها من جانب آخر سمحت بتشعب الرقمنة أكثر وأكثر في كل مجالات حياتنا وعلى كل الأصعدة سواء المالية أو الدراسية أو العملية أو حتى الاجتماعية، جائحة كورونا جعلتنا نطرق أبوابا لم نطرقها سابقا، شاهدنا تحولات حياتية ورقمية لم نشهدها من قبل، ولعلها جعلتنا نتذكر كيفية إعادة توظيف التكنولوجيا والتقنيات الحديثة من أجل الاستفادة منها لتسهيل أمور حياتنا.

ولكن..

هل يمكن اعتبار هذا التشعب الرقمي الواسع أمرا جيدا وسارا في ظل الفجوة الجيلية واختلاف الأجيال؟

الأمر سار جدا بالنسبة للأجيال الناشئة، التي ولدت في ظل هذا التطور، ولم تعتد الإمساك بالورق والحبر وجمع الكتب والصحف، ولكنه مستجد وصعب لدى جيل الآباء والأجداد، الذين فرضت التكنولوجيا عليهم نفوذها، فأصبح تعلمها أمرا واجبا وحتميا، خصوصا في ظل التوجهات الجديدة نحو الرقمية وتوظيف التكنولوجيا لمواكبة نمط الحياة السريع وعلى الرغم من ذلك إلا أن الرقمنة أثبتت فوائدها الجمة، التي تكاد تغيب في أوقات الرخاء وتظهر في أوقات الشدة، فعلى سبيل المثال خلال الحجر الصحي حضرت الكثير من الورش والدورات التدريبية التعليمية في قاعات بلا جدران، حصلت على الشهادات من خلال الاستعانة بشركات الشحن السريع وتوصيل الطرود، قرأت الكثير من المدونات والكتب دون أوراق ودون أن أقصد المكتبات، كنت على تواصل دائم مع الأصدقاء من خلال تطبيقات التواصل الاجتماعي المتنوعة، الكثير الذي لم أتوقع حدوثه ذات يوم ولكنه حدث بفعل اضطرارنا وحاجتنا لذلك، فالحاجة أم الاختراع وتكاد تكون أساسه.

لم يكن الأمر سهلا بالنسبة لنا جميعا ولكننا بمرور الوقت اعتدنا على ذلك، حتى عملية التحول الرقمي السريع التي لمسناها لم تكن بالأمر الهين، فعملية تحويل المعلومات من صيغة مادية ورقية إلى صيغة رقمية، عن طريق استخدام التقنية لتحويل العمليات التشغيلية من تقليدية إلى رقمية، وبعدها يأتي التحول الرقمي، الذي يكون في إعادة تصميم نماذج الأعمال إلى نماذج عصرية، كل هذه العمليات كانت بحاجة إلى أعوام عدة من الجهد والعمل المتواصل الدؤوب.

كل هذه الأزمات الصعبة فتحت الآفاق على مصراعيها للابتكار والإبداع، والاستمرار في عملية التواصل العلمي والثقافي، وتطوير الفكر والاستمرار في عيش الحياة استثمارا للمعرفة، والاستفادة القصوى من التكنولوجيا والرقميات فيما يعود علينا بالفائدة.

ومضة:

الأزمات تكشف لك الحقائق، تكشف لك الوجوه، وتكشف معادن الناس، فمَن كان معدنه ذهبا حافظ عليه طوال العمر.

@al_muzahem