د. محمد حامد الغامدي

@DrAlghamdiMH

nهل حان الوقت لوضع قيود حازمة وصارمة على جميع أنواع التوسعات الزراعية، وأيضا على الزراعات القائمة؟ كيف تكون تلك القيود؟ لماذا حان وقت هذه القيود؟ هل وصلنا في أمر الزراعة وتوسعاتها ونظمها القائمة إلى مرحلة العلاج بالكي؟ هل التوسعات الزراعية خاضعة للرقابة والمتابعة، وفقا لحقائق ندرة المياه في المملكة؟ متى تخضع الزراعة وتوسعاتها لهذه الحقائق؟ لماذا نستنزف المياه الجوفية على زراعات عشوائية عبثية غير اقتصادية، وأيضا على حساب مصالح أجيالنا القادمة؟

n لماذا لا تخضع المياه الجوفية إلى قوانين حماية تحدد كميات استنزافها سنويا لكل مزرعة وفقا لقواعد لعبة الجدوى الاقتصادية حتى مائيا؟ استنزاف جائر لم يتوقف، في الوقت الذي تصل فيه تكلفة مياه تحلية البحر إلى أكثر من (17) ريالا للمتر المكعب. زراعات عبثية تستنزف المياه الجوفية بشقيها المتجدد وغير المتجدد، وبشكل يسوء ويثير القلق.

n ويتأكد لشخصي أهمية المياه الجوفية مع زيادة بطش التصحر، حيث ينتشر بشكل يثير القلق. خلال الأسبوع الماضي، بتاريخ 14 يوليو 2022 الموافق 15 ذو الحجة 1443، توجهت برا من الدمام إلى قريتي بمنطقة الباحة، على بعد (1263) كيلومترا، كنت خلال هذه الرحلة أرصد الملاحظات المتعلقة بالبيئة، شاهدت الجفاف يضرب بشكل موجع ومؤلم.

n لكن الصدمة الكبرى كانت في مشاهد غابات وشجر العرعر الميت في الجبال على امتداد الطريق السياحي من الطائف إلى الباحة. وتعمق الرعب في جبال بني مالك، التابعة لمنطقة مكة المكرمة، وكنت غائبا عنها وعن هذا الطريق السياحي بأكثر من عقدين. على امتداد الطريق تحولت الجبال من خضراء إلى غبراء موحشة. إنها عوامل -في نهاية المطاف- تزيد من هبوط المخزون الإستراتيجي من المياه الجوفية، بشقيها المتجدد وغير المتجدد.

n هذا الطريق السياحي يقع في الشريط المطير في المملكة، وأقول شريط لأن عرضه الآن حوالي (10) كيلومترات، ويقع شرق قمم جبال الحجاز والسراة. وكانت منطقة جبال الحجاز والسراة بأكملها منطقة مطيرة في ما مضى، وكانت بكاملها منطقة لتغذية المياه الجوفية في المملكة، وحاليا أعمل لإنجاز كتابين حول هذا الشأن، سيصدران بعون الله عام (2023/1444).

n البيئة تتعرض لأسوأ حالات الجفاف. المياه الجوفية تتعرض لأسوأ حالات الاستنزاف. التصحر يسجل أعظم حالات انتشاره، خاصة في مناطقنا المطيرة. وبعد.. أليست هذه العوامل كافية لوضع قيود لحماية بيئة المناطق المطيرة؟ أيضا وقف استنزاف المياه الجوفية الجائر بشقيها المتجدد غير المتجدد، بجانب وضع قيود لوقف عبث استنزافها بشكل عبثي على زراعات عبثية.

n خلال العقود الثلاثة الماضية وضعت أفكارا لإنقاذ المستقبل من العطش، أفكارا احتوتها كتبي، ويأتي اهتمامي بأفكار جديدة، تعزز عوامل هذا الإنقاذ الذي يجب أن يأخذ الأولوية في كل مجال.

n عندما يصاب أحدهم بجرح غائر ينزف الدم، فيجب وقف هذا النزيف حتى لا يؤدي للوفاة. في وضعنا البيئي أصبحت الزراعات تشكل جرحا غائرا يستنزف المياه الجوفية بشكل جائر وعشوائي. علاج هذه الحالة الزراعية المرضية هي غلقها نهائيا، وفق شروط تعتمد على جواب السؤال التالي: ما الجدوى الاقتصادية من كل مزرعة؟ هنا أدعو لغلق كل مزرعة لا تحقق دخلا سنويا محسوبا بدقة، ويراعي تكلفة المياه الجوفية مقارنة بتكاليف تحلية مياه البحر للمتر المكعب.

n هناك مزارع في مناطق المياه الجوفية غير المتجددة وأيضا المتجددة يجب غلقها، لأنها تشكل عبئا على المياه الجوفية، وليس لها أي مردود اقتصادي. لكنها أشبه بجرح دام يستنزف المياه الجوفية.

n أدعو وبإلحاح لمنع وتجريم حفر الآبار الأنبوبية في مناطق المياه الجوفية المتجددة، (الباحة، مكة المكرمة، عسير، جيزان). وأيضا وقف حفر الآبار الارتوازية في مناطق المياه الجوفية غير المتجددة، بشكل نهائي.

n البيئة تزداد تدهورا، التوسع الزراعي العشوائي على حساب المياه الجوفية لم يتوقف منذ الطفرة في سبعينيات القرن الماضي الميلادي، إلى أين نحن ماضون بأجيالنا القادمة؟ ويستمر الحديث بعنوان آخر.