Hanih@iau.edu.sa
في خضم الحراك العمراني الذي تشهده المملكة، شاع مؤخرا مصطلح العمارة السلمانية وتبعه لاحقا ميثاق الملك سلمان العمراني (بكل الحمولة اللغوية والرمزية لكلمة ميثاق) بمبادرة من هيئة العمارة والفن. الأصالة، الاستمرارية، محورية الإنسان، ملاءمة العيش، الابتكار، والاستدامة هي المبادئ الستة، التي استند عليها الميثاق. غير أن هذه المبادئ هي في صلب منهج أي كلية عمارة (هناك جامعة واعدة في الدمام باسم أحد هذه المبادئ تدرس العمارة)، وبالتالي فإن إطلاق الميثاق والالتزام به فيه ازدواجية لما تقوم به الجامعات، ما سينجم عنه التباس في الرؤية لدى الطلبة. وهذا ليس من باب التوقع، بل إنه واقع بالفعل.
بداية فإن إطلاق مثل هذه المبادرات من شأنه أن يكون مصدرا لكثير من الأفكار الملهمة، خصوصا لارتباط المسمى بذروة هرم التنمية العمرانية في البلاد وجوهرتها، الرياض لأكثر من نصف قرن. غير أن إطلاق المبادرة -أي مبادرة كانت- تحت أي مسمى كان وربطها برموز ترتقي لذروة السلطة يستوجب التأكد من وضوح أهداف المبادرة وإمكانية تطبيقها وعلميتها في المقام الأول. إن عدم تحقيق الرؤية لمطالبها وعدم إيفائها بالمثل والأهداف التي رسمتها لنفسها، تحت أي ظرف كان، قد يفسر بأنه إخلال بالمبادرة، وهذا ما لا يريده الميثاق والقائمون عليه. إن إطلاق مثل هذه المبادرات ذات الحمولات الرمزية الكبرى من شأنها أن تكون ملزمة حرفيا لأصحابها، وفي مجال إبداعي متحرك كالعمارة، فإن ذلك قد يبدو ضربا من المغامرة. من السهل إطلاق المبادرات، ويا له من ميثاق أشم يرتقي عنان السماء وقد توشح بذروة سنام السلطة في البلاد، غير أنه يجب التأكد يقينا من القدرة على بلوغ الذروة ذاتها قبل الحديث عن إطلاقها.
العمارة فعل ماضٍ. وهي تعرف وتقاس وتقيم بعد بنائها والعيش فيها لفترة من الزمن وليس أثناء مراحل بنائها. وكليات العمارة في سائر أنحاء العالم تقوم على هذا الأساس. والعمارة تاريخ ينسب لفترة أو دولة بعينها، ونادرا ما نسبت العمارة لرمز بعينه وإن كانت العمارة الفيكتورية في إنجلترا نسبة إلى الملكة فكتوريا في القرن التاسع عشر استثناء لذلك. وهي على أية حال عمارة ليس فيها من اسمها شيء.
العمارة أشبه بنهر جار، دافق، شلال من الإبداع ترفده كل العلوم والجوانب الإنسانية ويصنعه كل الناس. ليس هناك منظر أو مؤرخ استطاع أن يعرف العمارة تعريفا دقيقا كاملا شاملا. ولم يكن هناك معماري أو كلية أو مؤسسة قد أدعت ذلك. إن أي محاولة لتأطير العمارة ضمن أي توجه مؤسسي، كمحاولة اعتراض مجرى النهر وتوجيهه في مجرى آخر غير الذي شقه لنفسه عبر الزمن. لندع مياه النهر تجري كالزلال ولنستمتع بغرفة ماء من على ضفته.
أضف إلى ذلك أن العمارة لدينا مثقلة بقيود تنوء بها من اشتراطات ومواصفات ومقاييس ومرجعيات حكومية وكودات لا حصر لها،. وبالتالي فإن إضافة ميثاق غليظ لهذه القيود سوف يقضي على ما تبقى منها قضاء مبرما. وعندما تتراكم هذه القيود والمعايير والاشتراطات ستتحول العمارة إلى دوجما أو إيديولوجيا، وعندها يصبح الحديث عن العمارة كما أريد لها أن تكون ضربا من الأوهام.
الإبداع في العمارة لا ينتج عن سن أنظمة ومواثيق وهو التوجه السائد لدينا، وكما قال الهولندي ريم كولاس (أحد أهم مزاولي العمارة اليوم): «العمارة هي طريقة تفكير في العالم مشابهة في تكوينها لتأليف كتاب...». كليات العمارة لدينا، الحكومية منها والخاصة مليئة بنماذج واعدة (طلاب وطالبات) لمعماريي المستقبل على غرار حسن فتحي، وليكوربوزييه، وميس فاندرو، وفرانك لويد رايت، ولويس كاهن، أساطنة العمارة الحديثة. لندع الكتّاب يكتبون، لندع الفنانين يرسمون، لندع تلك العصافير الواعدة تغرد، ولندع الفرقة تعزف أعذب الألحان ولنستمتع بالأداء، لا أن نكون أوصياء عليه.
في خضم الحراك العمراني الذي تشهده المملكة، شاع مؤخرا مصطلح العمارة السلمانية وتبعه لاحقا ميثاق الملك سلمان العمراني (بكل الحمولة اللغوية والرمزية لكلمة ميثاق) بمبادرة من هيئة العمارة والفن. الأصالة، الاستمرارية، محورية الإنسان، ملاءمة العيش، الابتكار، والاستدامة هي المبادئ الستة، التي استند عليها الميثاق. غير أن هذه المبادئ هي في صلب منهج أي كلية عمارة (هناك جامعة واعدة في الدمام باسم أحد هذه المبادئ تدرس العمارة)، وبالتالي فإن إطلاق الميثاق والالتزام به فيه ازدواجية لما تقوم به الجامعات، ما سينجم عنه التباس في الرؤية لدى الطلبة. وهذا ليس من باب التوقع، بل إنه واقع بالفعل.
بداية فإن إطلاق مثل هذه المبادرات من شأنه أن يكون مصدرا لكثير من الأفكار الملهمة، خصوصا لارتباط المسمى بذروة هرم التنمية العمرانية في البلاد وجوهرتها، الرياض لأكثر من نصف قرن. غير أن إطلاق المبادرة -أي مبادرة كانت- تحت أي مسمى كان وربطها برموز ترتقي لذروة السلطة يستوجب التأكد من وضوح أهداف المبادرة وإمكانية تطبيقها وعلميتها في المقام الأول. إن عدم تحقيق الرؤية لمطالبها وعدم إيفائها بالمثل والأهداف التي رسمتها لنفسها، تحت أي ظرف كان، قد يفسر بأنه إخلال بالمبادرة، وهذا ما لا يريده الميثاق والقائمون عليه. إن إطلاق مثل هذه المبادرات ذات الحمولات الرمزية الكبرى من شأنها أن تكون ملزمة حرفيا لأصحابها، وفي مجال إبداعي متحرك كالعمارة، فإن ذلك قد يبدو ضربا من المغامرة. من السهل إطلاق المبادرات، ويا له من ميثاق أشم يرتقي عنان السماء وقد توشح بذروة سنام السلطة في البلاد، غير أنه يجب التأكد يقينا من القدرة على بلوغ الذروة ذاتها قبل الحديث عن إطلاقها.
العمارة فعل ماضٍ. وهي تعرف وتقاس وتقيم بعد بنائها والعيش فيها لفترة من الزمن وليس أثناء مراحل بنائها. وكليات العمارة في سائر أنحاء العالم تقوم على هذا الأساس. والعمارة تاريخ ينسب لفترة أو دولة بعينها، ونادرا ما نسبت العمارة لرمز بعينه وإن كانت العمارة الفيكتورية في إنجلترا نسبة إلى الملكة فكتوريا في القرن التاسع عشر استثناء لذلك. وهي على أية حال عمارة ليس فيها من اسمها شيء.
العمارة أشبه بنهر جار، دافق، شلال من الإبداع ترفده كل العلوم والجوانب الإنسانية ويصنعه كل الناس. ليس هناك منظر أو مؤرخ استطاع أن يعرف العمارة تعريفا دقيقا كاملا شاملا. ولم يكن هناك معماري أو كلية أو مؤسسة قد أدعت ذلك. إن أي محاولة لتأطير العمارة ضمن أي توجه مؤسسي، كمحاولة اعتراض مجرى النهر وتوجيهه في مجرى آخر غير الذي شقه لنفسه عبر الزمن. لندع مياه النهر تجري كالزلال ولنستمتع بغرفة ماء من على ضفته.
أضف إلى ذلك أن العمارة لدينا مثقلة بقيود تنوء بها من اشتراطات ومواصفات ومقاييس ومرجعيات حكومية وكودات لا حصر لها،. وبالتالي فإن إضافة ميثاق غليظ لهذه القيود سوف يقضي على ما تبقى منها قضاء مبرما. وعندما تتراكم هذه القيود والمعايير والاشتراطات ستتحول العمارة إلى دوجما أو إيديولوجيا، وعندها يصبح الحديث عن العمارة كما أريد لها أن تكون ضربا من الأوهام.
الإبداع في العمارة لا ينتج عن سن أنظمة ومواثيق وهو التوجه السائد لدينا، وكما قال الهولندي ريم كولاس (أحد أهم مزاولي العمارة اليوم): «العمارة هي طريقة تفكير في العالم مشابهة في تكوينها لتأليف كتاب...». كليات العمارة لدينا، الحكومية منها والخاصة مليئة بنماذج واعدة (طلاب وطالبات) لمعماريي المستقبل على غرار حسن فتحي، وليكوربوزييه، وميس فاندرو، وفرانك لويد رايت، ولويس كاهن، أساطنة العمارة الحديثة. لندع الكتّاب يكتبون، لندع الفنانين يرسمون، لندع تلك العصافير الواعدة تغرد، ولندع الفرقة تعزف أعذب الألحان ولنستمتع بالأداء، لا أن نكون أوصياء عليه.