هناء مكي

@hana_maki00

لوقت طويل كان التعليم عبارة عن منفعة وخدمة تقدم كحق فردي، وقد ساهمت اليونسكو منذ الخمسينيات في عملية محو الأمية، وهي تدرك أن هذه العملية قادرة على تعزيز المشاركة في سوق العمل وتحسين الأحوال الصحية، وكان التعليم مضادا للجهل الذي يعتبر أساس ثالوث التخلف والاستعمار والرجعية (الجهل والفقر والمرض)، لذا كان تمكين التعليم والعمل والصحة وتقديمهم كخدمة مجانية في الكثير من الدول مسعى لمواكبة الركب المتخلف عند الدول.

بذلت دولنا الغنية جهدا كبيرا في الارتقاء بهذه الخدمات الثلاث الرئيسية، فقضت على الجهل بجهد وإنجاز كبير، ونجحت في محاربة الطباع الفردية والأعراف المجتمعية والعادات والتقاليد القبلية بنشر العلم، فتغلبت على أكبر حجر في ثالوث التراجع والتخلف، ثم استطاعت توفير الأعمال والرواتب المجزية بتنافسية تكون الأولوية للمتعلمين، فكان ذلك عنصرا إيجابيا وسلبيا في آن واحد، كما أولت للتطعيمات المبكرة والتوعية الصحية جهدا كبيرا وإلى اليوم، وبهذا تمت السيطرة على بؤر الضعف واستنزاف القوة، ولكن يبقى هذا الثالوث يخضع لمتغيرات مع كل جيل، والتخلف فيه قد يؤدي إلى تخلف المجتمع والدولة ومن ثم الاقتصاد لارتباطها ببعضها، بيد أن تطور المجتمع حول هذا الحق إلى جهد تنافسي جعله أشبه بمنتج لصناعة أساسية.

وعلى الرغم من حرص دولنا على جعل الخدمات مجانية لأهميتها، إلا أن المراقبة أمر أكثر أولوية، ومع سرعة التطورات والانتشار عالميا، فالأمراض اليوم تختلف عن السابق وسرعة انتشارها وكيفيتها ونوعيتها أيضا، ولكن الجيد أن هناك مصلحة عامة غالبة، وجميعنا مشتركون في السيطرة ومحاربة أي مرض يهدد الصحة.

إلا أن التعليم يبقى جهدا فرديا، عائليا، محليا، وطنيا، يسجل تفوقه متى ما أعطت الدول أولوية له، وهو مرتبط ارتباطا مباشرا بسوق العمل ومحاربة الفقر ورفع المستوى المعيشي، وفي ظل التقنيات وانتشار مناهج تعليم مختلفة عبر وسائل الاتصال المختلفة فالمتلقي والمستقبل هو متعلم بطبعه، وعليه فجميعنا نخضع لتلك المناهج بصورة مباشرة ومكثفة أو غير مباشرة.

قبل أيام وقع نظري على كتاب التربوي البريطاني كين روبنسون «المدارس المبدعة، التحولات الجذرية في التعليم»، وحين قرأت المقدمة لم أستطع إلا أن أكمله، فهو يحمل ذات أفكاري وهواجسي حول عملية التعليم وأفقها ومستقبلها، والتي تقض مضاجع الكثير من الأجيال الأكبر سنا في ظل ما سماها «ثقافة المعايير» التي تسبب ضررا للطلاب والمدارس.

ومن خلال خبرته بالبيئة التربوية التي قضى فيها أربعين عاما، إلا أنه وفي العشر سنوات الماضية زاد السخط على مناهج الاختبارات والقوانين المعيارية، التي تعمل بالتنافس والمحاسبة، إذ يقول إن الطفل يتعلم المهارات والأساسيات ليحصل على معدل ويدخل جامعة ويحصل على وظيفة، ولكن هذه العملية انقلبت على المجتمع، فبخلاف تدني نسب النجاح، تسببت بأمراض عصبية واكتئاب، مقابل تكاليفها الباهظة.

وقال إن المشكلة تكمن في «السمة الصناعية للتعليم العام»، فاليوم لم تعد هناك نظم تعليم جماهيرية «عام»، فقد أسست تلك النظم التي يتحدث عنها روبنسون، والتي بتنا نقلدها مفصلة، على قياس حاجات العمال في بريطانيا قبل أربعين سنة ولم تعد صالحة اليوم لهذه الأجيال.

ولنا تكملة...