سعود القصيبي

تحدثنا من قبل عن الكنيسة النسطورية بإيجاز وكان محور الحديث عن بني عبد القيس في شرق الجزيرة. وهم المعروفون بإسلامهم المبكر ومسجدهم الأول خارج المدينة المنورة المعروف بـ جواثى. لكن دعونا هنا لنتوقف لنتحدث عن الكنيسة الموحدة الأولى من «الفريسيين» والتي تأثر النسطوريون بها والتي ما أن أتت الرسالة المحمدية إلا أن أسلم غالب أتباعها لا سيما من قوة تلك العقيدة والتي جعلت أصحابها يحرقون في نجران دون التخلي عن إيمانهم أو من يحاصرون من أتباع مسيلمة الكذاب بعد حروب اليمامة في جواثى من الأحساء ودون التخلي عن إسلامهم بعد أن كانوا نصارى نسطوريين.

لانتهاء الكنيسة النسطورية وفنائها بتنا لا نسمع عنها إلا القليل. كما أن مصادرها التاريخية تكاد تنحصر اليوم في الكنيسة الآشورية الكلدانية والتي لا تزال في العراق كامتداد لتلك الكنائس الأولى رغم تغير المنهج والعقيدة. إلا أن المجامع الكنسية المختلفة حفظت وروت أسس معتقد الكنائس الأولى وخاصة في ظل انتشار الوثنية المسيحية وتغير المعتقد من عبادة الله عز وجل إلى إشراك العبادة بعيسى بن مريم بجعله تجسيدا لله إلى غيرها من معتقد التثليث.

يرجع الأصل في تاريخ هذه الكنيسة والمعتقد الموحد للدين النصراني إلى قس يدعى «آريوس» من أصل ليبي أمازيغي في المائة الثانية بعد الميلاد. هذا القس ارتحل من ليبيا إلى الإسكندرية لدراسة العلوم الشرعية المسيحية وتأثر بفكر القسيس «اورجن» والذي انتهج ما يطلق عليه الفكر الأفلاطوني. ومن ثم ارتحل لأنطاكيا حيث أكمل تعليمه على يد أحد الموحدين المسيحيين المؤمنين بالتعاليم الأولى للمسيحية «لوكيانوس» وكانت تعرف الطائفة حينها باسم «الاتحاد اللكياني». وما لبث ان بدأ بنشر المعتقد النصراني الموحد بعد أن رجع إلى الإسكندرية وبات أتباعه يعرفون باسم «الآريسيين» حيث أصبح أحد أشهر قساوسة ووعاظ عصره. وبظل انتشار المسيحية الوثنية في مصر وسيطرتها على الفكر الديني، عزل من منصبه الكنسي واعتبروه مهرطقا حتى تم طرده من مصر.

ظل آريوس يراسل الكنائس المختلفة متحدثا عن وحدانية الله ومن أن المسيح لا يعد إلا عبدا لله حتى دعا «قسطنطين الأول» إمبراطور روما بمجمع أساقف إلى لفظ الخلاف حول طبيعة الإيمان بالمسيح في مدينة «نيقيا» من الأناضول سنة 325 بعد الميلاد. وبعد جدال بين آريوس ذاته وخصومه ضرب «آريوس» بعد مشادة قسيسا اسمه «نيكولاس» وهو ذاته الذي اليوم يحتفل به المسيحيون بعيد الميلاد صاحب الهدايا والمسمى «بابا نويل». وكاد المجمع الكنسي يأخذ برأي «آريوس» من وحدانية الله إلا أن «قسطنطين» أمر الأساقفة بتوقيع بيان يعتبر المسيح ابن الله وذا طبيعة لاهوتية. عزلت الإمبراطورية الرومانية حينها كل من خالف الإمبراطور ولم يوقع على البيان. وعزل أيضا عن أسقفيته أيضا كل من وقع وتراجع كما نفى آريوس إلى ألمانيا ثم سمح له بالعودة إلى الإسكندرية حيث قتل.

تغير الحال هو من المحال، فما لبث أن اعتنق الإمبراطور «قنستاتيوس» سنة 373 بعد الميلاد بعد وفاة أبيه «قنسطنطين» منهج «آريوس» متراجعا عن قرارات مجمع «نيقوسيا»، ناشرا الآريوسية في المناطق التابعة للإمبراطورية. بعد وفاته تراجعت الإمبراطورية الرومانية وقامت بالتنكيل لجميع الآريسيين وقتلهم إلى أن لم يتبق أحد من أتباعها، إلى أن شاء الزمان بتبني قس آخر «نسطور» أجزاء من المعتقد النصراني الموحد الآريوسي عرف بالنسطورية وهو الذي انتشر بالجزيرة العربية وله قصة أخرى.

أشار الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه الطائفة من المسيحية الآريسية بكتابه لهرقل يذكره بمنهج التوحيد «الإسلام» والمذهب الآريوسي حيث كتب في رسالته «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبدالله ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم.. سلام على من اتبع الهدى.. أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام: أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين.. فإن توليت فعليك إثم الآريسيين»·

@SaudAlgosaibi