سالم اليامي

هذا الوصف الذي كان قد تبادر إلى ذهني دائما عندما يخطر لي السجين السعودي في السجون الفيدرالية الأمريكية الأستاذ حميدان التركي، كنت قد استمد هذا الوصف، وهذه الروح من الكلمات، التي كانت تتردد على ألسنة أسرته بناته وزوجته وابنه في لقاءاتهم التليفزيونية في بعض وسائل الإعلام الوطني، التي كانت تهتم بموضوعه، وتتابع تطوراته، خاصة عندما يكون هناك ما يسمى بجلسات استماع من هيئة المحكمة للسجين لطلب إفراج مشروط، وهو ما يقدم للسجين بين فترات زمنية، ويحاول فيها السجين إقناع هيئة المحكمة، وأحيانا الضحية أو مَن ينوب عنها بأنه قضى فترة معقولة من محكوميته، وإن كان -أي السجين- خلال تلك الفترة ذا سيرة حسنة، وسلوكا حميدا بشهادة المشرفين في السجن، وإدارة السجن، وشهادات السجناء أحيانا. خلال السنوات الأخيرة، جرب حميدان التركي هذه اللقاءات بأمل أن يحصل على إفراج نظير سلوكه الممتاز والإيجابي في السجن، ولكن كان كل مرة يطرأ أمر ما يمنع هيئة المحكمة من مساعدة هذا الإنسان، ووقف معاناته وحرمانه من أسرته، ووطنه لما يقرب من خمسة عشر عاما هي جزء من كامل محكوميته البالغة ثمانية وعشرين عاما.

في جلسة الاستماع الأخيرة، التي كانت في مطلع شهر أغسطس لهذا العام كان الأمل قويا أن يحقق السيد حميدان التركي الحصول على العفو المشروط، الذي يعني الإعفاء من باقي المدة، والترحيل من الأراضي الأمريكية لأنه شخص أجنبي. حسب آخر الأخبار القاضي قال إن هناك ما يمنعه كقاضٍ من منح المواطن، والسجين السعودي العفو المشروط، ووعد بأن يستمع إلى آراء آخرين يمكن أن يزيدوا هذا القرار منطقية، أو وجاهة، وبحسب أكثر من شخص لهم خبرة بالنظامين السياسي الأمريكي والقضائي الأمريكي وتبعا لحالة التداخل بين الجهتين في قضية حميدان التركي بشكل خاص رجحوا أن يحجب العفو المشروط من الرجل، وأن تتاح له فرص إقامة في السنوات المقبلة، بدون تأكيد إذا ما كان سيحصل على العفو أم لا، وهناك مَن ذهب إلى القول: بأن قضية الرجل وتناولها لأكثر من جهة أمريكية تبين أمرين رئيسيين أن حميدان يخضع للسجن، وقد يكمل المدة كاملة؛ لأن هناك في النظام القضائي الأمريكي مَن يرى أنها مدة معقولة جدا، بل كان يجب أن تكون مدة العقوبة أكثر من ثمانية وعشرين عاما. وفي جانب آخر، هناك مَن يعتقد أن التعثر في منح الرجل العفو المشروط رغم مثاليته كسجين، وكإنسان، لأن الأمر يتعلق بالدولة العميقة في الولايات المتحدة الأمريكية، التي تتصدر واجهتها في حالة السجين حميدان المباحث الفيدرالية. وقد يسأل البعض لماذا كل هذا التشنج تجاه شخص مبتعث ذهب للولايات المتحدة الأمريكية للتحصيل العلمي وللاستفادة من مناخات الحرية، والحقوق التي يتمتع بها كل مَن يعيش على الأرض الأمريكية؟ يقول البعض ومنهم العارفون بطبيعة التفكير الأمريكي الحاد، أو العنصري، إن حميدان منذ أن حل في أمريكا كان يحمل معه مكونات هوية ثقافية وأخلاقية وسلوكية مختلفة عن النسق العام للقيم والمبادئ الأمريكية، الرجل في وقت وجيز أسس دارا دعوية للنشر «دار البشير»، وكان مؤثرا في الجالية المسلمة، وكان يحمل هو وأسرته الرموز الثقافية غير المرغوبة في أمريكا على نطاق واسع منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وعليه تعرض لكل هذا الصلف، الذي يصعب أن يجد له المحايد تبريرا كافيا.

@salemalyami