اليوم - الدمام

يميل هوى أهالي منطقة الحدود الشمالية، لأنغام الربابة في مجالسهم، إذ تعد تلك الآلة الموسيقية رفقة النزهات البرية والمخيمات وما يعرف بـ الشبة، كما تعد ضيفا دائما بالمهرجانات الوطنية ضمن الفنون التراثية، والأهازيج الشعبية.

والربابة هي آلة وترية الشعبية، تُصنع محليا من وتر واحد، ومفضلة لدى أهالي البادية، ومنتشرة في مناطق عدة بالمملكة، وللعزف عليها يجرّ القوس على الوتر في حين تتحرك أصابع العازف باليد الأخرى على الوتر فيتحكم بتلك الحركات المتوافقة في إصدار النغم الذي يريده، وتتغير الأنغام حسب تحريك الأصابع وجر القوس.



عودة للظهور



ويصاحب تلك الألحان قصائد شعرية ملحنة متناغمة مع صوت الربابة، وأوضح مشرف الموروث الشعبي بجمعية الثقافة والفنون بالحدود الشمالية، فهد النمري، أن آلة الربابة من أهم ألوان الموروث الشعبي الأصيل، وهي التي يجتمع حولها الناس في الماضي للسمر وعزف الألحان، وكانت ثقافة الربابة أكثر انتشاراً في البادية.

عازف الربابة لابد أن يكون ماهرا ويمتلك إحساساً مرهفاً وذاكرة قوية


وأشار إلى أن أهالي الشمال تميزوا في استخدام هذه الآلة الفنية التراثية عبر التاريخ، لافتا إلى أن الآلة تعود اليوم بشكل ملحوظ من قبل المهتمين بما تستذكره من الحنين للماضي الجميل.

ولفت إلى أن دور الجمعية يتمثل في دعم الموروث الشعبي، والتشجيع على إحياء هذا الإرث العظيم، ونقله إلى الأجيال القادمة، من خلال الأمسيات الشعبية، وورش العمل، واستقطاب شباب المنطقة الموهوبين وتثقيفهم في هذا الجانب.



تاريخ الربابة



تعتبر الربابة من أقدم وأشهر الآلات التي ما زال لها حضور قوي، في مجالس السمر، وأفراح البادية، والأرياف، وتُعنى بها جل فِرق الفنون الشعبية، وتحرص على استخدامها في المهرجانات التراثية والسياحية، والربابة بفتح الراء أي (رَبابة) وتعني السحابة البيضاء أو السوداء وجمعها (رباب).

أول من أوجد آلة الربابة، العرب الرُحّل في الجزيرة العربية ولذلك فان علاقة ابن البادية مع هذه الآلة الوترية وثيقة جداً، وكذلك ابن القرية، وأكثر من يستعملها الشعراء المداحون وتكاد تكون السمة البارزة في مجالس شيوخ البادية وتعلق ابن البادية بهذه الآلة لأنها تتناسب مع طبيعة البادية من حيث صنعها ومن حيث ملاءمتها للمناخ الصحراوي.

الربابة ذات وتر واحد عند ملامسته وتر القوس يحدث نغمة تشكلها أصابع اليد من اجل أن تساير الجمل الموسيقية وصوت الربابة هو الصوت الوحيد المشابه لصوت الإنسان، وأهل الشمال في الجزيرة أكثر تعلقاً بالربابة من بقية سكان الجزيرة ودائماً تكون النديم الوحيد لكل مهموم وعاشق.

وفي سوق «الحلة» في مدينة الرياض الذي يتوسط عدة أحياء شعبية، قريباً من مقبرة العود، وجنوباً عن حي البطحا، وجهة الراغبين في شراء الآلات الموسيقية على اختلاف أنواعها، تتوفر فيه وبشكل لافت آلة الربابة التي أغلب زبائنها من السعوديين كبار السن والذين غالباً يجيدون العزف عليها، وهي تصنع في المملكة عبر مؤسسة مختصة بتصنيع هذه الآلة.



ربابة الجزيرة العربية



تأخذ الربابة شكلاً خاصاً فالربابة في الجزيرة العربية غير الربابة المغربية والمصرية والهندية والعراقية والتركية لأن شكل الربابة يختلف من بلد إلى بلد، إلا أن أجزاءها ومكوناتها ومقاييسها متفق عليها، فالمقياس المتفق عليه تقريباً أن يكون طول الربابة 70 سم وعرضها بين 25 ـ 30 سم وتأخذ اشكالاً متعددة منها الدائري ومنها المستطيل ومنها الحلزوني ومنها المقوس من الجانبين من اجل ضغط الصوت وحفظه ومنها البيضوي ومنها ما يأخذ اشكالاً هندسية متعددة، ، والربابة السعودية تأخذ الشكل المستطيل في الغالب.

عازف الربابة لابد أن يكون ماهرا ويمتلك إحساساً مرهفاً وذاكرة قوية


ومن شروط عمل هذه الآلة أن يكون الذراع 70 سم منه 35 سم للصندوق الخشبي ومنها 3 سم تبرز من الأسفل من اجل اتكاء الربابة عليها ويسمى عرش الربابة، والثقب يكون في رأس الذراع يترك بينه وبين الرأس 2 سم والبقية 30 سم طول الذراع من الثقب إلى ضلع عرض الصندوق الخشبي المثقوب من منتصفه مع الجانبين، وهكذا يتم صنع الربابة على هذا التصور فان طال الذراع أو قصر فنصفه للصندوق الخشبي.



حرفة صناعة الربابة



تمر صناعة الربابة بمراحل عديدة من أجل أن تكتمل ويطرب صوتها، وذلك يعتمد في الدرجة الأولى على مهارة صانعها واختيار النوعيات الجيدة من المواد التي تتناسب مع بعضها وتتلاءم، ففي نجد كان يصنع الصندوق من خشب الأثل، أما الذراع فيكون من خشب الزان أو عسيب النخيل والقوس من عسيب النخيل أفضل من الخيرزان بكثير.

والجلد أفضله جلد الماعز، أما حمار الربابة أو كما يقال ملاطفة: الفرس فهو عودان لا يتجاوز طول العود منهما 5 سم يربط الرأسين على شكل زاوية حادة بخيط من الحرير من اجل أن يرفع بها وتر السبيب عن الجلد، والقوس عند العزف كلما قرب من (الحمار) كلما كان الصوت أَحَدَّ نغمة، ومسامير صغيرة، ويفضل القمْر، تدق على أطراف الجلد، وميزان الوتر يقال له (المزوي) ويستحب أن يكون من خشب الأثل.



أشكال الربابة



تأخذ هذه الآلة الوترية أشكالاً متعددة منها الصندوق الخشبي المستطيل وهذه هي الربابة السعودية، السائدة في جزيرة العرب ومنها ما هو على شكل بيضوي وهذا الشكل السائد في المغرب العربي ومنها ما هو على شكل دائري، وهذا هو الشكل السائد في العراق ومصر، ومنها ما هو على شكل الكمنجة وأشكال هندسية عدة.

الربابة والتربع على طريقة أهل نجد


مبدعو الربابة



يعتبر محمد بن صافي الذي عاش بعد منتصف القرن الرابع عشر الهجري أشهر عازف عرفته الجزيرة العربية على الإطلاق، وقد أسس مدرسة لهذا الفن ومن تلاميذه مشعان بن مجول ونادر العواد وفهد العزيز ومحبس بن ناصر ورشيد بن مطلق، وكل هذه الأسماء بلغت من الشهرة مبلغاً عظيماً، حيث تربعوا على عرش صدارة الشهرة، إلا أن مشعان كان أوفرهم حظاً وكذلك نادر ومحبس وفهد وبنيدر الخالد.

يأخذ العازف جلسته الطبيعية (التربع على طريقة أهل نجد) ويبرز أحد قدميه من أجل أن يكون الضلع الأسفل من القب ـ القفص الخشبي على طرف القدم، وعادة يكون في الأسفل بروز قصير للذراع يسمى مشد الشبيب أو عرش الربابة تتكئ عليه ويده اليسرى تلامس السبيب المحاذي للذراع من أعلى، وكلما جر القوس حرك أصابع اليد الأربع من الإمام والإبهام من الخلف، وعادة العازفون يستخدمون ثلاثة أصابع من اجل أن تساير الجمل الموسيقية صوت المؤدي.

أما أوقات العزف فليس هناك وقت محدد إلا أن الحاجة كلما تبدو ملحة لهذه الآلة يعزف عليها ولكن في الغالب أنشد الرواة ليلاً في مجالس السمر، لأن الصوت يسري مع هدوء الليل ويطرب جميل أهل المضارب، ويجب أن يكون المؤدي قد علق بحب نغمة هذه الآلة بصوتها اللطيف الذي يختلج في النفس، وأيضاً يجب أن يكون ماهراً في العزف عليها ويمتلك إحساساً مرهفاً وذاكرة قوية ولا بد أن يلفظ النصوص من أجل أن يؤدي الشعر بلحن يناسبه ولعازفي الربابة فلسفة خاصة في معرفة نوعية الخشب والسبيب والجلد، وكل عازف ربابة يبدأ بالهجيني وبعدما يتقن هذا اللون ينتقل إلى الصخري والهلالي والمسحوب، وهذه هي الألحان الرئيسية والهجيني أكثر من نوع، والعازف الماهر يجيد السامري والمنكوس والخمشي والجنوبي والزوبعي.