د. حنان عابد

على الرغم من أنها لم تقدم إلا القليل جدا على مستوى الفعل على الأرض، وقدمت الكثير على مستوى الوعي الذاتي، إلا أن الكثيرين من جمهورها لا يزالون يؤمنون بقدرتها على تغيير واقعهم، فما السبب وراء الفشل الذريع الذي يمكن نسبته إليها؟ وهل كل دورات التنمية البشرية فاشلة؟ أم هناك خلط في الأمور؟ وهل نحن نتحدث عن صنفين من دورات التنمية البشرية، أحدهما أخلاقي جدا وناجح جدا، والثاني متهم في أخلاقيته المجتمعية وحتى الفكرية، ويصدر لنا مفاهيم معاكسة للمطلوب على أرض الواقع؟

الحقيقة أننا كنا دوما ولا نزال أمام صنفين من فكر التنمية البشرية، الأول وهو غير الرائج ونادر التطبيق، وهو ذلك الصنف الذي نسعى لتعميمه ونشره والترويج له، وهو يقوم على مبدأ تفصيل الوعي والإدراك التنموي لدى الجمهور فردا فردا، والنمط الثاني الذي عشناه طويلا إلى حد التقزز، هو الذي تعبر عنه تلك التجمعات البريئة من جماهير غفيرة تأخذ مقاعدها بهدوء وتركيز شديد في انتظار نجم خشبة المسرح وهو يذهب جيئة وذهابا فوق المسرح ليسرد لهم مخدر النجاح على شكل قصص وحكايا منتقاة بشدة من واقع أفراد نجحوا وامتلكوا ظروفا حياتية وحقائق شخصية ومظاهر سلوكية ذاتية ومناهج تفكير تختلف جميعها اختلافا كبيرا أو في أحسن الأحوال اختلافا مؤثرا عما يمتلكه الجمهور المغرر به على تلك المقاعد وفي تلك القاعات.

إن القاص ليس مدرب تنمية بشرية، وراوي الحكايات لا يستحق أن ندفع له نقودنا. بل إن هناك شبابا قد يكونون عاطلين عن العمل ويظنون من خلال جلسات الحكايات تلك أنهم سيخرجون من قاعة المحاضرة وقد فتحت لهم الدنيا أذرعها بالكامل، وأنهم أخيرا قد وجدوا الكنز المفقود. في الحقيقة، أدعو من يسخرون من عقول الشباب من خلال إعطائهم جرعات سعادة مدروسة جيدا عبر رواية قصص النجاح لهم، أدعوهم إلى مراجعة ضمائرهم ولو قليلا!

علينا أن نشيع ثقافة جديدة حول دورات التنمية البشرية. يجب أن يخرج كل فرد من أي محاضرة وهو يعرف جيدا ما الذي يناسبه وما الذي لا يناسبه مما قيل في المحاضرة. يجب أن يقوم المدرب بعمل خطة عمل، وخارطة طريق لكل فرد من الحضور وأن يجلس معه منفردا. ولكي تكتسب محاضرات سرد القصص أخلاقيتها، فعلى المدربين أن يصارحوا الجمهور من البداية أنكم مقبلون على محاضرة لسرد القصص، وأن يتجنبوا من أجل الأخلاق والقيم والمبادئ أن يضعوا عناوين كاذبة لمحاضراتهم ليجذبوا الجمهور، مثل «تعرف على طرق النجاح الأكيدة!»، و«امتلك الآن مفاتيح النجاح»، وغير ذلك من العناوين التي لا يخرج معها الجمهور بأي فائدة في نهاية الجلسة سوى أن الجمهور يصبح ثملا منتشيا بقصص نجاح يظن أنها هي مفاتيح النجاح.

@hananabid10