د. عبدالوهاب القحطاني

الحديث مستمر في حياتنا اليومية العلمية والعملية عن الكفاءة الإنتاجية التي ترتقي بها دول وتخفق أخرى. الإنتاجية ليست مجرد فلسفة، بل تعتبر مفهومًا وتطبيقًا عرفته حضارات سبقتنا، ومنها الحضارة اليونانية والحضارة البابلية، وحضارة شانق الصينية، وحضارة السامرائي اليابانية، وغيرها من الحضارات الإنسانية.

الإنتاجية بمفهومها البسيط هي الحصول على أفضل وأعلى مستوى من المخرجات بأقل ما يمكن من المدخلات، ويدخل ضمنها مصطلح الكفاءة الإنتاجية. فكلما كانت المخرجات من حيث الكمية والجودة عالية، حصلنا على إنتاجية وفائدة عالية.

تتنافس الشركات والدول على الأسواق المحلية والعالمية من خلال الإنتاجية العالية. وقد برزت دول واحتلت الصدارة في العالم بسبب الاهتمام بالإنتاجية العالية مثل اليابان وألمانيا والولايات المتحدة والصين وكوريا الجنوبية. تُقاس الإنتاجية بوحدات الإنتاج العالية أو بقيمة المخرجات ومقارنتها بتكلفة المدخلات.

الوحدات التي لا تستوفي شروط الكمية والجودة العالية تخفض مستوى الكفاءة الإنتاجية؛ لأنها تُعاد إلى خط الإنتاج مرة أخرى لتطويرها أو تعتبر غير صالحة؛ لذلك تتلف ما يخفض قيمة المخرجات، وبالتالي تتدنى نسبة الأرباح.

ومن الجدير بالذكر أن ثقافة الإنتاجية في الصناعة والتجارة في المملكة ليست على مستوى عالٍ؛ لأن أغلب الموظفين يفتقرون إلى المعرفة الجيدة بهذا الجانب الرئيس في المنافسة المحلية والعالمية.

إن التدريب الناجح للموظفين على المفاهيم والتطبيقات الأساسية في مجال الإنتاجية والكفاءة الإنتاجية والفاعلية يزيد من المهارات الإنتاجية لديهم، ويمكنهم من ممارسة وظائفهم بطرق وأساليب أفضل، وبالتالي يساهمون في الارتقاء بمستوى الإنتاجية في الشركات والمؤسسات السعودية؛ ما يزيد من التنافسية الوطنية للمملكة بين دول العالم. المؤسسات التدريبية والتعليمية مسؤولة عن تطوير ثقافة الإنتاجية بين الموظفين؛ لأنها الغاية والهدف من التدريب.

تحتاج الإنتاجية لتدريب مكثف ومستمر لترسيخها بين الموظفين، بل إن النظامَين التعليمي والتدريبي بمختلف مستوياتهما وتخصصاتهما مطالبان بترسيخها بين الطلاب والمتدربين وبقية أفراد المجتمع.

إنتاجية الفرد تزيد من إنتاجية الجماعة، وبالتالي تزيد من إنتاجية الشركات والمؤسسات الخاصة والحكومية، فهي لا تتوقف عند الشركات والمؤسسات الربحية، بل تشمل المؤسسات الحكومية والخيرية غير الربحية.

إن أي خلل في فهم وتطبيق الإنتاجية على مستوى الأفراد والجماعة يساهم في تدني الإنتاجية، وبالتالي في خفض الإنتاجية للشركات والمؤسسات؛ ما يضعف منافستها في الأسواق. لقد كانت إنتاجية الفرد السعودي في الستينيات من القرن الماضي أعلى منها اليوم؛ لأن السعوديين آنذاك يُقبلون على الوظائف المهنية التي ينتقصها بعضهم اليوم لأسباب اجتماعية رسخّتها فيهم الطفرة البترولية التي أحدثت نقلة كمية ونوعية اقتصادية في مستوى المعيشة.

تُعقد المؤتمرات والندوات وورش العمل في الكثير من دول العالم بدعم من المؤسسات التعليمية والشركات لتبادل الخبرات والآراء التي تطور الإنتاجية، بل تساهم بعض الحكومات في تمويلها للاستفادة من التوصيات والدراسات في تحسين الإنتاجية في تلك الدول. نحن في المملكة بحاجة لمثل هذه المؤتمرات والندوات والورش المتخصصة التي تنشر فيها الدراسات المتعلقة بالإنتاجية، وتعصف فيها الأفكار التي تطورها.

لقد قطع عدد قليل من المؤسسات والشركات السعودية شوطًا طويلًا في تحسين مستوى الإنتاجية في المملكة، لكن السواد الأعظم منها لا يزال متباطئًا أو مهملًا في ممارستها على الوجه المطلوب. ويساهم التفكير المحدود غير الشامل في القصور الذي تواجهه الإنتاجية في المملكة. الحقيقة أن الشركات السعودية التي تمارس الإنتاجية لها نشاطات عالمية تؤثر في تبنّيها مفهوم وتطبيق الكفاءة الإنتاجية، بل تضغط عليها لتهتم بها؛ لتصبح منافسة بين شركات دول العالم. ومن هذه الشركات السعودية المهتمة بالإنتاجية شركة أرامكو السعودية، وشركة سابك التي تنافس في الأسواق العالمية. على الشركات السعودية أن تدرك مفهوم وتطبيق العولمة التي أصبحت القوة الأكثر تأثيرًا في منافسة الشركات في الأسواق العالمية.

في الختام أرى أن الإنتاجية أسلوب حياة تسلكه الحكومة والقطاع الخاص لترتقي المملكة إلى المستوى التنافسي الذي يليق بنا بين دول وشعوب العالم، خاصة أننا نتجه لتحقيق رؤية المملكة 2030.

كلية الأعمال KFUPM

@dr_abdulwahhab