سالم اليامي

طالما كان الشرق في المخيال العالمي، والأوروبي خصوصا مكانا للمشاعر، والأحاسيس، والغيبيات وربما مكانا للمشاعر المتناقضة، أو المتضاربة. يدفعني إلى هذه المقدمة حالتان متناقضتان الأولى قديمة إلى حد ما والأخرى حديثة بل حديثة جدا. أتذكر أنه في مطلع سبعينيات القرن الماضي وبعد الأحداث التي هزت المنطقة والعالم من خلال الحرب العربية - الإسرائيلية في أكتوبر 1973 وما صاحبها من أزمة عالمية في الطاقة، وتحديات اقتربت من الدراما السياسية والتهديد بالاحتلال، والتغيير في بعض مناطق العالم، أقول على خلفية كل ذلك يتذكر الناس أغنية للفنانة المصرية السيدة شريفة فاضل اسم الأغنية أم البطل، وسبب بروز الأغنية إلى الوجود أن ابن الفنانة المذكورة كان أحد أفراد الجيش المصري الذي استشهد في حرب العام 1973 وحدث أن شاع الخبر بين أهل الإعلام، والفن، والسياسة فكتب أحد الشعراء قصيدة غنائية كلماتها مؤثرة تواسي بها الأم والفنانة نفسها وهي تعيش حالتين متناقضتين من المشاعر، الأولى حالة الفقد، والفراق، والخسارة لابنها، والحالة الثانية حالة الفخر، والشعور العالي بالوطنية، والتضحية من أجل الوطن، وتم تلحين الأغنية وغنتها الأم المصابة والفخورة في ذات الوقت في مناسبات وطنية وقومية بتأثر بالغ. حتى أن أغنية أم البطل أصبحت واحدة من علامات تلك المرحلة ثقافيا. الحالة الثانية التي تختلط فيها المشاعر وتتضارب فيها الأحاسيس حول الابن والصدمة بما يحدث له تلمستها في الأحاديث المطولة والمستفيضة التي أدلت بها أم الفتى اللبناني الأصل الأمريكي المنشأ، والولادة، والجنسية، الذي اعتدى قبل مدة على الكاتب الهندي الأصل البريطاني الجنسية سلمان رشدي في الولايات المتحدة الأمريكية. الأم المكلومة المصدومة أكدت أن سبب صدمتها أو هكذا فهمت أنا مضمون بعض الحوارات معها يتأتى من كونها تعرف ابنها جيدا حيث خلق على الأرض الأمريكية، وتشرب الثقافة الأمريكية ويبلغ من العمر في حدود الأربع والعشرين سنة قضاها جميعا في البيئة الأمريكية العادية مع السيدة والدته الأربعينية ومع شقيقتيه التوأم، الأم تعمل في إحدى المدارس الثانوية وتقوم بأعمال الترجمة، وتعيش النسق الأمريكي العادي، والطبيعي مثل أي أسرة أمريكية. ولكن صدمة الأم تتعاظم عندما تفهم وإن كان ذلك الفهم متأخرا أن مجرد شهر واحد فقط قضاه ابنها الشاب في لبنان وفي الضاحية الجنوبية حيث يتركز الشحن الطائفي لما يسمى قوات حزب الله اللبناني، وحيث كان يعيش والد الشاب. تقول السيدة المكلومة إن ابنها عاد من رحلة الشهر الواحد إنسانا مختلفا وتخلى عن مفردات الحياة الأمريكية اليومية لشاب في عمره، ترك الرياضة، واللقاء بالأصحاب، تغير سلوكه داخل الأسرة وخاصة في معاملة شقيقتيه التوأم وأصبح ميالا للعزلة ينام بالنهار، وينشط في الليل، لا يأكل مع أسرته، بل يطبخ لنفسه ويأكل وحيدا في قبو المنزل. خلاصة ما قالته الأم المصدومة أنها توقفت عن محاولة فهم الأشياء وكيف تشكلت، وكيف تتشكل. وفيما يتعلق بالكاتب سلمان رشدي أبدت أم المعتدي أسفها الكبير لما حدث له من قبل ابنها وقالت إنها لم تسمع في حياتها بسلمان رشدي، ولم تقرأ كتابه آيات شيطانية، وتعتقد أن ابنها أيضا لم يقرأ كتاب الرجل، وفي سنه وخبرته الحياتية القصيرة، وربما المحدودة لا يعرف الكثير عن الرجل، ولا عن أخطائه. كل أم كما نعتقد تتمنى أن يكون لها ابن تفخر به، أو على الأقل أن يكون طبيعيا، وعاديا مثل غيره، وألا يكون محل انتقاد أو سخرية من المجتمع، لكن أن يكون الابن وبعد التربية والتعليم وتوفير فرص الحياة الطبيعية معتديا، ومغتصبا لحياة الآخرين أيا كانت أخطاؤهم فهذا الشعور الوحيد الذي يمكن أن يقود للصدمة.



@salemalyami