د. نورة الهديب

@FofKEDL

تتمدد المفاهيم وتتغير على حسب احتياجات الإنسان في الزمن الذي يعيش فيه. ولكن يتوقف هذا التمدد والتغير عند حدود سماوية أنزلها الله تعالى للإنسان لينهج منها وعليها أمور دينه ودنياه. وبما أننا نعيش في زمن سريع في التقلص ومتشكل في التمدد، فإن عقل الإنسان يترجم ما يدور حوله على حسب احتياجه. وغالبا ما تكون ترجمة العقل إجبارية وغير اختيارية، وذلك بسبب وجود العالم وما يحدث فيه بين كفوفنا أو في زوايا بيوتنا.

النظريات بفرضياتها والظواهر بأحداثها تؤثر على المفاهيم المتأصلة في الإنسان على اختلاف ثقافاته. ومن بينها تلك التي تتعلق بجنس الإنسان، التي استحدثت جراء الظواهر أو الحروب وبعض الثقافات بعاداتها وتقاليدها، والتي تلاعب بها أصحاب القلوب الضعيفة لتتماشى مع أطماعهم.

على سبيل المثال، الرجولة في أصلها مبنية على ماديات مجسدة في وظائف وأعضاء تغذي الفطرة الذكورية، التي خصها الله تعالى للرجل، والتي من المفترض ومع وجود استقامة القلب وصفاء الذهن، فإنها تعزز القيم والمبادئ السليمة ليقوم الرجل بدور الرجولة ليعين نفسه وأهله بالشكل الصحيح. فالمفهوم العام للرجولة في أصله ثابت ولكن تؤثر الثقافة وبعض العادات والتقاليد، التي تسلكها المجتمعات على المفهوم بشكل أو بآخر.

وهذا التأثير أصبح سريعا جدا في زمننا، لأن قوة وسيطرة الثقافة العالمية الموحدة أجبرتنا على القبول السريع لكل تغير سواء كان سلبيا أو إيجابيا. وهذا القبول السريع، يعتبر رعبا لمَن ما زال يقاوم قوة التأثير العالمية على الأبناء خاصة. وبالفعل، فإن لتغير مفهوم الرجولة وتحريفه من أهل الشر بدأ يأخذ منحنيات مختلفة ويتسرب إلى عقول الأجيال الحالية ليتمكن منهم مستقبلا.

العقلاء في أي مجتمع، يتفقون بأن لبعض المفاهيم أصولا فطرية لا يتنازع عليها فريقان. ولكن المدخلات الشكلية والحركات الاستعراضية والمفردات اللغوية ومخارجها أصبحت تتحكم في الأصل لتهمشه وتعيبه -أحيانا- حتى سيطرت على رغبات كلا الجنسين لتهدم المعايير الفطرية الصحيحة وتستبدل بمعايير شهوانية محرفة الأصل. لذلك، فإن الرجولة المستحدثة أصبحت هشة المعنى مزخرفة الشكل، وهذا -للأسف- ما نراه في وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الأماكن العامة، التي يمارس البعض رجولتهم فيها بشكل عكسي.

وأخيرا، فإن الرجولة تتمثل في احترام الجنس الذكوري، الذي خلقك الله تعالى عليه. فالقوة والخشونة وإن كانت متفاوتة فإنها تعزز بالتربية والبيئة السليمة، التي تحتوي الفرد بجنسه ومهاراته ومؤهلاته ليعمر في أرضه مستقبلا. الأصالة والقيم والمبادئ التي تعزز تربويا في الأبناء، تكون استقامتها عادة بسلاح العلم والإيمان. وبشكل عام، فإن الالتحام الفكري والعاطفي إذا اتفق مع المدخلات التربوية والتعليمية في الإنسان فإن زاوية الوعي وسعة الإدراك تتمدد حتى تتطبق المفاهيم بالشكل الصحيح في كل زمان ومكان.