سعود القصيبي

نسمع على الدوام مساهمة علماء الأحساء في العلم والعلوم وأنها كانت مركزا كبيرا للخليج العربي ومنطقة نجد ومقصدا، حيث خرجت العديد من القضاة والفقهاء. إلا أننا نفترض على الدوام أنها تخص العلوم الشرعية المختلفة فقط. إلا أن ما كان يدرس بتلك الأزمنة مختلفا كمنهج عام واحد تلك العلوم هو علم الفلك، الذي اشتهر بتدريسه علماء أجلاء، بالإضافة إلى العلوم الشرعية. وددت هنا أن أسلط الضوء على علم الفلك وعلمائه العرب ومن الأحساء لنعلم ما كان وإن في تلك المعرفة الإنسانية من العلوم الفلكية أهمية لتتبع السنن وتطور المعرفة.

علم الفلك هو من أقدم العلوم عند الإنسان ويأتي بالتعريف من المدار، الذي يسبح فيه الجرم السماوي. واصطلاحا هذا العلم يتناول دراسة المجرات البعيدة والمذنبات، الشهب والنيازك والنجوم والكواكب أو مجموعات النجوم. كما يمكن تلخيص فضل العرب على علم الفلك بأنهم نقلوا الكتب الفلكية عن اليونان والفرس والهنود والكلدان والسريان، وصححوا بعض أغلاطها وتوسعوا فيها مزيلين ما جاء فيها من شعوذة. وقد أضاف العلماء العرب اكتشافات عديدة وما زال نصف أسماء النجوم بلفظها العربي مستعملا في اللغات الأجنبية وإلى الآن.

وقد أقسم الله سبحانه وتعالى بالنجوم وحركة الأرض لبيان عظمته واتساع قدرته فقال من سورة التكوير الآيات 14- 17 (فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس). كما ذكرت الشمس بالقرآن الكريم بأكثر من عشرين مرة، منها قوله تعالى في سورة يس (آية 38): (والشمس تجري لمستقر لها) كذلك بسورة الرحمن (آية 5): (الشمس والقمر بحسبان). فالعلاقة الكونية بالله عز وجل من خلال السماء عظيمة ومعرفة هذا العلم من الفلك هو شيء مهم لا سيما من دراسته.

وقد أدرك العلماء العرب أهمية هذا العلم ودرسوه ومنهم في القرن الثالث الهجري أبوالعباس أحمد بن محمد بن كثير الفرغاني. كان في زمن الخليفة العباسي المأمون ومن مؤلفاته كتاب (جوامع علم النجوم والحركات السماوية) وكتاب (في الاسطرلاب) وكتاب (الجمع والتفريق). ومن علماء الفلك أيضا أبوالحسن علاء الدين بن علي الأنصاري المعروف بابن الشاطر، ومن مساهماته العلمية أن ضبط أوقات الصلاة وصنع ساعة شمسية زمن المماليك وضعت في الجامع الأموي بدمشق. كما صحح نظريات بطليموس من اتساع علمه. ولا ننسى في ذلك أبو سعد عبدالرحمن بن يونس الصدفي المصري من مشاهير الفلكيين العرب، الذي سبق جاليليو الشهير في اختراع بندول الساعة. ولنبوغه أسس له الفاطميون مرصدا خصصوه له أعلى جبل المقطم.

وفي الأحساء، اشتهر من العلماء عدد كبير منهم الشيخ محمد بن أحمد الحنفي، الذي قام بتصنيف كتاب (نزهة المستهام لمعرفة سير الكواكب ومنازلها على الشهور والأيام) سنة 1074هـ. وهناك أيضا الشيخ محمد بن عبدالرحمن العفالق، الذي ألف عددا من الكتب في علم الفلك منها (سلم العروج إلى علم المنازل والبروج) كتبه سنه 1151هـ إلى غيره من المؤلفات. وأيضا الشيخ عبدالرحمن الزواوي المالكي المتبحر المناظر بعلوم الفلك المؤلف فيه جداول اختصت من عام 1150هـ وحتى سنة 1220هـ. ونذكر هنا أيضا الشيخ صالح بن سيف العتيقي الحنبلي المتوفى سنة 1223هـ المنضم لمقطوعه في منازل القمر تقع في خمسة أبيات. كذلك نورد اسم الشيخ محمد بن عبدالله آل فيروز الحنبلي المتوفى سنة 1216هـ، الذي ألف كتابا في معرفة المنازل والبروج اسماه (عجالة المستعجل). ومن علماء الأحساء المشهورين أيضا الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله العيوني، الذي ألف تقويما فلكيا عُرِف بـ (تقويم العيوني). ونضيف كذلك إلى القائمة الشيخ عبدالرحمن بن محمد القاضي العدساني، وله منظومة في علم الفلك تقع في أكثر من ثمانين بيتاً وتقويم فلكي تمت طباعته عام 1352هـ.

وإلى هنا أقف بكلماتي القليلة عن علم الفلك وعلمائه ولعلنا ندرك أن العلم لا يقف. وأننا بإرادتنا يمكن أن نضيف إلى العلوم كما كان، بل وأكثر وليست هي معرفة الأهلة فقط، بل التأكيد على عظمة الخالق. وإننا إن أردنا قد لا نكتفي برؤية السماء، بل بالإبحار بالكون.

@SaudAlgosaibi