صالح الشمراني

لا يخفى على كل ذي لب أن توأمات الأندية لم يعد لها في قاموس رياضتنا أي معنى؛ فالمصالح أصبحت المحرك الأساس لكل ما يحدث أمام الملأ وخلف كواليس ودهاليز مطابخ القرارات والمنافع عند إدارات الأندية، فبوجود أعضاء (الشرف) تبرأ أكثرهم من ميثاقه، فما بالنا اليوم وهؤلاء الأعضاء لم يعد لمعظمهم وجود في قواميس أنديتنا؟!

كما كنا نسمع مجازا لا حقيقة بتوأمة الهلال والاتحاد، والأهلي مع النصر، فإننا اليوم نؤكد بأن لا مجاز ولا حقيقة لذلك على أرض الواقع، فكما أعلنت سياسة فريق النصر بوقت سابق بأن (لا صديق لها إلا نفسها)، واختلف الناس ما بين مؤيد لهذا المنطق الشفاف، وبين فئة عارضت واعتبرت ذلك من شوفة النفس التي تبرر الاستعلاء على الآخرين والاستغناء عنهم.

يعنيني من (مقولة النصر) بأن الكل سمعها إلا الأهلي، حين سمعها لم يعيها، أو أنه كابر وعاند على حساب الكيان الذي آلمنا أن هوت به تلك السياسات غير الدقيقة والفاهمة لبواطن المصالح والاستغلال إلى دركات الدرجة الأولى ولظاها وجمرة غضاها التي أحرقت قلوب عشاقه دون هوادة ودون عمل تحضيري لمستقبل يبشر بالخير لمجانين القلعة.

فرغم عبارة النصر الشهيرة بأن ليس له أصدقاء، وأنه يمشي وراء مصلحته غير آبهٍ برقي الأهلي وادعاءات جماهيره التاريخية بأن هناك توأمة بينهما، وإن كانت في زمن ما، فقد ولت وتمزقت أوراقها وتناثرت على شاطئ بحر جدة، مُشكلة لوحة (هبوط) عجيبة لدرجة العمق الأدنى، بسبب هؤلاء (الأشقاء) الذين لم يكتفوا بإحراق الأخضر، بل حتى اليابس لم يسلم من ملايينهم التي لم تستقو يوما بهذا الشكل الكبير والمثير كاستقوائها على تلك القلعة التي تكشفت بواباتها واهتز بلاط عرشها منذ جلوس قائدها الفذ، هدافهم ومجنونهم الأول على طاولة التفاوض والتوقيع مع رئيس النصر، لولا تدخل بعض المسؤولين الذين استطاعوا إبقاء عمر لأهليه، لكنهم لم يستطيعوا إعادة هيبته الفنية والقيادية لجسده، فروحه تعلقت فطريا بمليونير العاصمة الأصفر.

السيناريو الأصفر لم يتوقف بملايينه عن دغدغة أعصاب حراس القلعة للنيل من مفاصل قوتهم، فبعد محاولة فاشلة لخطف كبيرهم السومة، ها هم يتمكنون من إغراء أحد أفضل لاعبي البلد (عبدالفتاح عسيري)، وبمباركة أهلاوية تنم عن أن الفريق يسير بالبركة وبالنوايا الطيبة التي مازالت تعيش في حضن التوأمة المزعومة، لدرجة أن توقيع اللاعب تم في أروقة شارع التحلية، في جو من الفرح والرضا الذي عم الفريقين، وكأن الأهلي النصر، والنصر الأهلي.

ضرب النصر بماله مقدمة القلعة بهز ثقة القائد بنفسه وفريقه، ثم عمقها بخطف أهم محاربيها الشباب، ومن هنا بدأت خطوط الراقي تتفكك، من حيث لم يشعر المتفرجون عن بعد بذلك، حتى سقطت القلعة بكامل رقيها وتاريخها في درجات لا تستحق المرور من على محطاتها، لكنها للأسف سقطت، ولم يكن هناك عامل مشترك بين الإدارتين المتتاليتين غير الناجحتين اللتين أشرفتا على الإجهاز على ركن كروي كبير بالبلد إلا عامل التوأمة مع النصر التي اتضحت كالشمس في رابعة النهار بالأمس القريب، حين سلمت اللاعب الأفضل من بين النشء القادم لكرتنا السعودية (عبدالرحمن غريب) - وهي في عز حاجتها إليه - بكل برود وتصفيق حار لفريق التوأمة الذي لا صديق له إلا نفسه، وبدل أن يقول لهم بعض الجماهير أوقفوا عبث العيش بجلباب أساطير الماضي وخرافاته (حمدوا الله بأنه ذهب للأصفر ولم يذهب لجيرانه!).