د. فاطمة مصطفى

تبدأ الاستعدادات والتنظيمات مع بداية كل فصل دراسي، يبدأ حينها المعلمون بتنظيم مادتهم العلمية وتجهيز خططهم ويبدأ الطلبة بشراء مستلزماتهم الدراسية، وتبدأ نقاشاتهم وتذمراتهم عن المواد ومحتواها وأهميتها، فليست كل المواد تروق لهم وكذلك محتواها، ونجد في كل مادة فصولا قد يحبها البعض وينفر من بعضها الآخر. وقد يتساءل الطالب ما هي الفائدة من دراستها وإضاعة الوقت في موضوع لعلي لن أستخدمه أبدا. في الواقع أن هذه التساؤلات والاعتراضات تنتج من عقلية مفكرة ولها قدرة على التحليل والتفكيك، ولعل ما تطرحه تساؤلاتهم واعتراضاتهم واقعية، فلم نستخدم التفاضل والتكامل بعد الانتهاء من دراستها، ولم نركب دوائر كهربائية إلا في فصول الفيزياء، ولم نخلط المركبات الكيميائية ونحل ونعيد وزن معادلاتها إلا في مختبر الكيمياء ولم نقم بتشريح الضفادع إلا على منضدة معمل الأحياء، كم كانت تلك التجارب ثرية في محتواها، وكم اكتشفت أن ما درسناه هو الأساسيات العلمية للعديد من التخصصات. اكتشفت أن الجا والجتا والظا والظتا لها استخدامات أساسية في دراسة الضوء والزوايا التي ينتجها، وفي حسابات إنشاء المباني، وفي دراسات تخطيط الطرق وصناعة المحركات.

ليس بالضرورة أن تستخدم كل ما تتعلمه فالعلوم توسع من مداركك ولها قدرة على تنمية عقلك وتقوية عزيمتك وصبرك، لها قدرة على توسعة شبكة المعلومات في ذهنك وزيادة الربط بينها فدماغ الإنسان مكون من ملايين العصبونات التي تثير الواحدة منها الأخرى، وفي كل مرة يتعلم الإنسان معلومة جديدة أو يرى ما هو جديد فإنه يكون رابطة جديدة بين هذه العصبونات لم تكن موجودة من قبل، ولكن هذه الروابط في حاجة دائمة إلى ترميم وتطوير، وتمثل الدراسة لمختلف العلوم أساسا لهذا الرصف بين العصبونات. إن الدراسة ومراحلها هي سلسلة تتكرر من المعرفة ويتميز تكرارها بالتوسع في كل مرحلة دراسية، فيعطى الطالب في كل مرحلة معلومات إضافية تزيد عمقا وتفصيلا، وعليه أن يبني على ما سبق لتكتمل معرفته، عليه أن يبذل الجهد لتثبيت هذه المعلومات المتكررة يبني معها معرفته وليبني صرحا خاصا به... لبنة فوق لبنة، ومع بناء هذا الصرح المعرفي وارتفاعه تتغير الشخصية وتنتج شخصية مميزة تجد عندها وعيا وإلماما بمختلف المجالات وقدرات ربط عالية يختلف بها عن غيره....

لبناء هذا الصرح المعرفي حدد العلماء عدة طرق لتحسين القدرة على تذكر المعلومات وبنائها: أولها التدريب المتواصل، ثانيها مبدأ الترابط أي ربط المعلومات بالصور أو بأحداث ثابتة، ثالثها هو التمرين المتواصل والتمرين الموزع وهذا يتعلق بالزمن وتكرار المذاكرة بأوقات متقاربة ثم استرجاعها في أوقات لاحقة، رابعها هي الطريقة الجزئية والكلية والتي ترتكز على دراسة المادة كوحدة كلية وتجزئتها، خامس طريقة هي تنظيم المادة وفقا لمستواها وطبيعتها والتدرج من السهل إلى الصعب ومن الجزئيات إلى الكليات، سادس طريقة هي تدوين الملاحظات واستخدام الكتابة إذ أن العديد من الدراسات تذكر أن استدعاء الفرد للفقرات المدونة يفوق سبع مرات استدعاءه للفقرات غير المدونة أي أكتب ما تدرسه، سابع طريقة هي التسميع وهي أن تكرر ما تحفظ بصوت عال وهي تحقق فاعلية أكثر لدى المتعلم، ثامن طريقة هي احترام زمن التعلم وهذه تتعلق بالوقت الذي يستغرقه الشخص لدراسة المادة فالمواد الصعبة يجب أن تستغرق وقتا أطول فلكل معلومة زمن محدد ليستوعبها العقل، تاسع طريقة هي استخدام معينات للذاكرة كالمخططات والمجاميع والصور الذهنية والقوافي أي النغمات اللفظية كنظم أسماء الدول كقصيدة مثلا.... ليس من السهل بناء صرح المعرفة ولكنه يستحق.

إنستجرام: Dr_fatima_Alreda