هناء مكي تكتب:

ولأكمل الحديث عن التضخم وأنهي فصله هنا، فتقرير صندوق النقد العربي الذي تناولته في مقالي السابق، ومعطيات كل دولة خليجية بالمعلومات والإحصائيات المحلية فيه، استطعنا أن نفهم أن التضخم ليس عرضيا وخارجيا فقط، إذ تتحكم فيه كذلك عادات محلية لكل دولة خليجية على حدة، وعوامل منها معدل الدخل للفرد، وأسلوب الاستهلاك العام، وتوجهات المستهلكين المحليين لمنتجات بعينها بالذات في الدول التي ارتفعت فيها نسبة التضخم، ومن المفترض ألا ترتفع بهذا القدر. فإن العاقبة تكون في عملية الاستهلاك للأفراد ذاتهم أولئك الذين يتذمرون من ارتفاع الأسعار حتى كثر حديثهم عنها وشكواهم منها وكأنهم خارج المعادلة، وعلى التجار الذين يبالغون في الأسعار متذرعين بالظروف الآنية، وبالتالي على الرقابة المحلية التي تشكل الأساس في تفاقم ارتفاع الأسعار وتضخمها. وزد عليها ارتفاع دخل الفرد في بعض الدول واتساع عمليات العرض، وضعف التشريعات والرقابة في اتفاقيات التجارة الحرة في بعض الأسواق الخليجية.

لذا، لا بد من تعاون بين أصحاب عملية الاستهلاك الثلاثة (الفرد والتاجر والجهة الرقابية)، لتبيان بعض الأمور التي يجب أن يفهمها المستهلك، والإجراءات التي يجب أن تُلزم بها الجهات المشرعة والمشرفة المعنية، وكذلك هناك رقابة ذاتية وأخلاقية يجب أن يلتزم بها التاجر لخلق قواعد استهلاكية أكثر تفاعلية تحميه وتحمي السوق والمستهلكين معا، أي الأضلاع الأساسية في العملية الاستهلاكية في السوق الواحدة.

إذ إن آخر تقرير لصندوق النقد الدولي يتنبأ باستمرار الطفرة التضخمية الحالية التي وصفها بالخارجة عن السيطرة مدة عامين كاملين وسترتد انعكاساتها علينا تباعا، لذا فالمستهلك يجب أن يوقف شرهه الشرائي ويغير عاداته الاستهلاكية التي جعلت من التاجر يطمع فيه، وأن يتحسب لعام قادم سيكون ضنكا عليه، والجهات المعنية «الرقابية والتشريعية في السوق المحلية» يجب عليها التفاعل مع شكاوى المستهلكين، وأن تكثف رقابتها وإشرافها على السوق في محاولة للسيطرة على أي اضطراب يؤدي إلى تفاقم الوضع، وأن تحكم سلطتها على الأسواق التجارية وتعيد تشريعات تتواءم مع التطور التقني والتكنولوجي في التجارة، ومن جهة أخرى، وجب على التجار أن يتحلوا بالأخلاق حتى يعيدوا الاتزان للسوق، فلا تزال لدينا وفرة سيولة تجعل النشاط الاستهلاكي في أوجه رغم تذمر الناس واضطرارهم للشراء، ولكن الآتي قد يكون أسوأ، وقد يؤدي إلى قلة السيولة أو نضوبها، فهامش الربحية هنا لن يفيد مقارنة بالنشاط التجاري وتسييل الأموال والحفاظ على استمرارية الطلب وتواجد القوة الشرائية في السوق المحلية، فأي جشع آن سيؤدي إلى إمساك في الطلب، قد يزداد مع الوقت، وهنا يبرز بيت التجار في ضبط جشع التجار كمهمة وتنظيم أدواتهم فهم أكثر مرونة في وضع آليات لتعزيز أنظمة التجارة وعمليات الانضباط التسعيري في عمليات البيع والعرض والطلب بالسوق، في ظل انفتاح أسواقنا على أثر اتفاقيات التجارة الحرة، الذي قد يضعف الدور الحكومي في أعمال التجارة، ولكن تعاون التجار من خلال رابطتهم المحلية أو اتحاد الغرف الخليجية قد يقوي تواجدهم في مثل هذه الأوقات وينظم أعمالهم في السوق، ويعيد الثقة في التاجر المحلي ويكون صوتا مؤثرا.

@hana_maki00