يحقق نتائج واعدة بدون أعراض جانبية خطيرة
أكد مختصون، تحقيق نتائج مبهرة للعلاجات المناعية، في محاربة عدد من الأورام السرطانية، بدون أعراض جانبية خطيرة، مثل العلاجات الكيماوية، إذ يمثل حقبة جديدة، لا يتمحور التركيز فيها على الخلايا السرطانية، ولكن على الخلايا المناعية، مشيرين إلى أن العلاج المناعي يحمل الكثير من المبشرات، للحد من تقدم المرض، وتحسين معدل نجاة المرضى المصابين.
وأوضحوا خلال «قضية الأسبوع»، أنه تم خلال السنوات الأخيرة، التوصل لآلية توظيف الجهاز المناعي للتعرف على الخلايا السرطانية، وبالتالي محاربتها والقضاء عليها، وجرى استخدامه في سرطانات مختلفة وعديدة وبنجاحات تفوق العلاجات الكيماوية، في بعض الأنواع، وذلك في الوقت الذي تبلغ فيه الإصابات بالمملكة، نحو 27 ألف حالة متوزعة بالتساوي بين الذكور والإناث، بينما أكثر الأورام انتشارا في الذكور هي أورام القولون وأورام الغدد الليمفاوية واللوكيميا، يليها أورام الرئة والبروستات، في حين يحتل سرطان الثدي والغدة الدرقية أكثر الحالات المسجلة في الإناث بحسب الأرقام الصادرة من السجل الوطني للأورام.
زواج الأقارب أحد أسباب الطفرات الوراثية المتنحية
قال عالم الأبحاث المشارك بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بجدة د. يوسف هوساوي إن الطفرات الوراثية، عبارة عن تغييرات دائمة في المحتوى والمعلومات الوراثية الموجودة في تسلسل الحمض النووي الريبوزيومي. وتؤثر الطفرة إما على «نيوكليوتيدة» واحدة أو أكثر، وهذه الطفرات تنشأ، في الغالب، نتيجة التعرض للإشعاع أو المواد الكيميائية المسرطنة أو بسبب بعض الفيروسات الحيوانية التي تصيب الإنسان. وفي بعض الحالات تتسبب هذه الطفرات الوراثية، في تكوين خلايا سرطانية أو أمراض جسدية مزمنة، وهناك نوعان من الطفرات «الموروثة»، و«المكتسبة».
وعن أبرز الطفرات الجينية الجديدة، أوضح د. هوساوي، أن مجتمعنا العربي عموما والسعودي خصوصا، يشهد انتشارا لزواج الأقارب من الدرجة الأولى، بما نتج عنه، العديد من الطفرات الوراثية المتنحية. وإذا نظرنا إلى مرض السرطان، كمرض وراثي، بغض النظر عن العوامل الأخرى مثل نمط الحياة، والمسببات الأخرى، نجد أن هناك طفرات وراثية في جينات محددة، غالبا ما تلعب دورا هاما في تكوين السرطان، ومع تطور الوسائل الحديثة والتقنيات المستخدمة في فك التسلسل الجيني، ظهرت العديد من الطفرات الوراثية الجديدة في جينات مختلفة.
وعن الجديد في سرطان الثدي، بين د. هوساوي، أنه على الرغم من أزمة فيروس كورونا خلال العامين الماضيين، إلا أن سرطان الثدي، لا يزال، من أكثر الأمراض السرطانية شيوعا بين أوساط النساء في العالم، ومن المتوقع أن يصل عدد الإصابات المسجلة بسرطان الثدي في أمريكا إلى أكثر من 287 ألف حالة، مخلفة أكثر من 43 ألف وفاة في العام الجاري 2022، وعلى الرغم من جهود الأطباء والباحثين في هذا المجال، إلا أنه لا يزال هناك الكثير من الخفايا التي تحتاج إلى مزيد من المعرفة للتخلص من السرطان.
«العلاج الموجه» لمكافحة انقسام المرض وانتشاره
العلاج الموجه هو نوع من أنواع علاجات السرطان، ويعتبر من الأسس الحديثة لما يعرف بالطب الشخصي، ولعله أهمها على الإطلاق. هذه العلاجات الموجهة تستهدف التغييرات الوراثية التي تجعل خلايا السرطان قادرة على الانقسام والنمو والانتشار. خلال السنوات الأخيرة قامت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية FDA بالموافقة على العشرات من الأدوية الجديدة ومن المتوقع ازدياد عددها خلال الفترة المقبلة بعد انتهاء الدراسات السريرية اللازمة.
اكتشاف متأخر
من المعروف أن معظم حالات سرطان الرئة لا يتم اكتشافها للأسف إلا في مراحل متأخرة مما يصعب علاجها بالطرق التقليدية. ولكن منذ أن بدأ استخدام الأدوية الموجهة والمناعية في السنوات الأخيرة، طرأ تحسن ملحوظ في حالات المرضى حتى في بعض الحالات المتأخرة.
وتنقسم العلاجات الموجهة إلى قسمين أساسيين هما أدوية الجزيئيات الصغيرة «small molecules»، التي لديها القدرة على الولوج لداخل الخلايا السرطانية حتى تقضي عليها من الداخل. والنوع الثاني هي أدوية الأجسام المضادة الأحادية «monoclonal antibodies»، التي لا تستطيع الدخول لوسط الخلايا السرطانية وإنما تهاجمها من الخارج عبر التعرف على أهدافها الموجودة على سطح الخلية.
بعض أنواع الأورام تحمل نقاط ضعف يمكن مهاجمتها عبر الأدوية الموجهة. ويتم معرفة نقاط ضعف السرطان بعد أن يقوم الفريق الطبي بأخذ عينة «خزعة»، من الورم ويرسلها للمختبر ليتم فحصها على مرحلتين: الأولى يفحص، خلالها، المتخصص في علم الأنسجة والأمراض، الخلايا تحت المجهر حتى يتم التعرف على نوع السرطان الأساسي، ثم تنتقل العينة لمختبر الجينوم حتى يتم فك الشفرة الوراثية للسرطان وتحديد التغييرات ونقاط الضعف التي يمكن مهاجمتها بالأدوية الموجهة أو العلاجات المناعية.
تقنية قراءة التسلسل للمادة الوراثية
شهدت السنوات الخمس الأخيرة قفزات نوعية في فهمنا للطريقة التي تنشأ بها الأورام على المستوى الجزيئي، عبر تقنيات حديثة مثل تقنية قراءة التسلسل للمادة الوراثية في الخلايا السرطانية والتي تنتج كميات مهولة من البيانات الوراثية التي تصل أحجامها إلى 50 جيجابايت لكل مريض «الجيجابايت = 1 مليار بايت أو تسلسل وراثي». كانت باكورة الإنجازات المبهرة في هذا المجال في مشروع أطلس جينوم الأورام الدولي «The Cancer Genome Atlas»TCGA، الذي قام بتحليل أكثر من 33 نوعا من الأورام وأنتج أكثر من 2 بيتابايت تسلسل وراثي «1 بيتابايت = ألف تريليون». وتم جعل هذه البيانات متاحة للجميع بما في ذلك الأطباء لتساعدهم على التشخيص والتصنيف ولشركات الأدوية من أجل تصنيع أدوية جديدة تساعد في علاج المرضى.
وانعكست هذه المخرجات الكبيرة لهذا المشروع - وغيره من المشاريع المشابهة - على تقديم علاج شخصي Personalized medicine مناسب لكل مريض بناء على الطفرات الوراثية الخاصة به والتي يتم تحديدها في خلاياه السرطانية. وقد أدى ذلك لتأثير إيجابي كبير وحسن من استجابة المرضى «response rate»، فارتفعت من 5% إلى 30%، للعلاج ثم تضاعفت الفترات التي يعيشونها دون تطور الورم لقرابة الضعف، وقد تم ملاحظة هذا التأثير الإيجابي الكبير في أكثر من 300 بحث سريري على أكثر من 13 ألف مريض بين عامي 2011 - 2013.
هذه النتائج المشجعة للطب الشخصي للأورام أدت لاستمرار مقاومة المرضى للسرطان لفترات أطول من تلك التي تنشأ وجعلت الكثير من المستشفيات حول العالم تسارع لتبني هذه الفحوصات الحديثة من أجل تطبيقها
ثورات طبية في الكشف المبكر والعلاج
ذكر استشاري الوراثة الجزيئية والمعلوماتية الحيوية د. سعيد التركي أنه عادة ما تبعث كلمة السرطان في النفس درجة من الخوف، وربما تستدعي بعض الذكريات المؤلمة لأحباب وأهل وأصحاب عانوا من هذا المرض الذي يعتبره الكثيرون مرضا فتاكا، لكننا اليوم على عتبة ثورات طبية في الكشف المبكر للأورام ثم علاجها بالأدوية الحديثة مثل الأدوية الموجهة والمناعية التي قد تحيل السرطان من مرض قاتل إلى مرض مزمن يمكن السيطرة عليه وربما علاجه تماما في المستقبل القريب.
وبين أن هناك أكثر من 100 نوع مختلف من الأورام التي تصيب الإنسان في مختلف الأنسجة وتشكل تحديا كبيرا للبنية الصحية في معظم دول العالم سواء في القدرة على التشخيص المبكر أو التصنيف «diagnosis and classification»، مرورا بضرورة تحديد العلاج المناسب أو حتى التكهن بمآلات المرض «prognosis» وتأثيره على حياة المريض.
27 ألف حالة سنويا بالمملكة
يبلغ عدد الحالات المسجلة سنويا في المملكة، 27 ألف حالة متوزعة بالتساوي بين الذكور والإناث. وأكثر الأورام انتشارا في الذكور هي أورام القولون وأورام الغدد الليمفاوية واللوكيميا يليها أورام الرئة والبروستات. في حين يحتل سرطان الثدي والغدة الدرقية أكثر الحالات المسجلة في الإناث بحسب الأرقام الصادرة من السجل الوطني للأورام.
ويعتمد علاج السرطان على عدة عوامل من بينها نوع السرطان والعضو المصاب، ودرجة انتشاره، وعمر المريض وحالته الصحية وغيرها من العوامل. وهناك عدد من الخيارات العلاجية للمريض والفريق الطبي وتتراوح بين التدخل الجراحي أو الإشعاعي أو العلاج بالأدوية الكيميائية أو يتم الجمع بينها. في السنوات الأخير بدأت تظهر خيارات واعدة جديدة لبعض مرضى السرطان مثل العلاجات الموجهة والعلاجات المناعية.
تحفيز الجسم لمهاجمة الخلايا السرطانية
أوضح استشاري الأورام والسرطان بمستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة د. أحمد اللهيبي أن الجهاز المناعي هو الجزء المناط به التعرف على الخلايا الغريبة بالجسم، مثل الجراثيم والبكتريا والفيروسات، ثم مهاجمتها والتخلص منها بطرق مختلفة، وقد يثير الجهاز المناعي علامات الالتهاب للقضاء على الأجسام الغريبة والميكروبات والجراثيم.
وأضاف إن عدم رصد الجهاز المناعي أو مهاجمة الخلايا السرطانية، تناولته الأبحاث لسنوات عديدة، وخلال الأعوام الماضية ابتداء من 2010 - 2017، تم التوصل لآلية توظيف الجهاز المناعي للتعرف على الخلايا السرطانية، وبالتالي محاربتها والقضاء عليها، من خلال تحفيز الجهاز المناعي للتعرف على الخلايا، ومحاربتها والقضاء عليها.
وأضاف: جرى استخدام العلاجات المناعية في سرطانات مختلفة وعديدة وبنجاحات قد تكون حتى مبهرة، أكثر من العلاجات الكيماوية، في بعض أنواع الأورام السرطانية، مشيرا إلى نتائج دراسة مبهرة، لمواجهة سرطان المستقيم، بالعلاجات المناعية.
«الخزعة السائلة».. قطرة دم تحدد مكان الورم
أوضحت عالمة الأبحاث في مرض السرطان بمستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام رئيس «جمعية داعم» د. خلود الوصيعبي أن الجمعية تهدف لتشجيع التدريب والتعليم للباحثين والأطباء والطلاب، لمساعدتهم في تنفيذ أبحاث عالية المستوى، ومن الخطط الإستراتيجية، أيضا، دعم الدراسات السريرية في المملكة، بما يعني استقطاب شركات الأدوية، لاستخدام عقاقير جديدة لعلاج مرضى السرطان بالمملكة، وإقامة مركز أبحاث متكامل، للأبحاث السريرية، يشمل معامل أبحاث.
وأضافت: من البحوث التي يعملون عليها هي قطرة دم فقط، لتحديد مكان السرطان في الجسم، وهو إحدى التقنيات الجديدة، التي سوف يتم استقدامها بالمملكة، وتسمى «الخزعة السائلة»، وتتم من خلال فحص جيني يعمل بقطرة دم واحدة، تكشف مكان السرطان، دون وسائل أخرى، كالأشعة وغيرها.
وبينت أن 99 ٪ من الفحوصات الجينية ترسل للخارج، و99 ٪ أيضا من الأدوية، مبنية على بحوث بالخارج، وليس المملكة.