عندما يكون لدى الناس نظرة دونية لقيمتهم أو يرفضون تحمل مسؤولية حياتهم يختارون معارفهم باستمرار من نفس النوع الذي تسبب في متاعبهم الماضية، لأنهم لا يعتقدون باستحقاقهم للأفضل، ولهذا فهم لا يبحثون عن التواجد مع الأشخاص المميزين، ويطلق على ذلك في علم النفس مصطلح «التكرار القهري»، وهو دافع لا واع لتكرار أخطاء الماضي، فالناس يصنعون عالمهم باستخدام الأدوات الموجودة بين أيديهم، والأدوات الخاطئة تؤدي لنتائج خاطئة، والاستخدام المتكرر لهذه الأدوات يجعل هذه الأخطاء تتفاقم، فالذين لا يتعلمون من الماضي يحكمون على أنفسهم بتكراره، لعدم استعدادهم للتعلم، وأحيانا يختار البعض البقاء مع أصدقاء أو شركاء غير مناسبين لرغبتهم في مساعدتهم، وهم ممن يتسمون بالمودة الزائدة أو المؤمنين بأن مساعدة الآخرين هي أسمى الفضائل، ويغيب عن أذهانهم بأنه ليس كل شخص يعيش في الفشل يعتبر ضحية، وليس كل من في القاع يريد أن يترك القاع ويرتقي، فالبعض منهم يضخمون من معاناتهم للتلويح بها كدليل على ظلم العالم لهم، ويعتبرونه طريقا سهلا يمكن اختياره للعيش لحظة بلحظة على الرغم من أنه الجحيم بعينه على المدى الطويل، ولهذا فمن الصعب التمييز بين شخص يريد المساعدة وبين آخر يستغل الراغبين في مد يد العون، ولذلك فمن الأفضل قبل أن تساعد شخصا أن تفهم لماذا وقع هذا الشخص في تلك المتاعب، ولا تفترض ببساطة أنه ضحية نبيلة لظروف جائرة أو ضحية للاستغلال، فهذا هو التفسير الأقل احتمالا وليس الأكثر احتمالا، فإذا اعتنقت فكرة أن كل شيء سيئ حدث بلا سبب، ومن دون أدنى مسؤولية شخصية يتحملها الضحية فأنت تنكر امتلاك هذا الشخص لأي إرادة في الماضي، وبالتالي في الحاضر والمستقبل، وتجرده من أي قوة، والأرجح كثيرا أن هذا الشخص قرر ألا يسلك طريق الارتقاء بسبب صعوبته، فمن السهل فهم الفشل لأنه لا ثمة تفسير مطلوب لحدوثه، فمن السهل ألا تتحمل المسؤولية، وألا تهتم، وألا تفكر أو تفعل، ومن السهل أن تؤجل ما يجب عليك فعله للغد، وأن تضيع الشهور والسنين القادمة في متع الحاضر الرخيصة، فالنجاح لغز غامض، أما لكي تفشل فليس عليك سوى أن تكتسب بضع عادات سيئة، وأن تنتظر لحظة التدهور، فبمجرد أن يقضي الشخص وقتا كافيا في اكتساب العادات السيئة يتبدد الكثير مما يمكن تحقيقه، ويصبح التدني الحاصل له حقيقة واقعة، ويصبح من الصعب جدا إخراج ذلك الشخص من الهوة العميقة التي هوى في أعماقها، ولهذا فقد كان عالم النفس الشهير كارل روجرز يُؤْمِن بأنه من المستحيل بدء علاقة علاجية مع المريض الذي يحتاج للمساعدة إذا كان هو نفسه لا يريد التحسن، ومن المستحيل إجبار شخص ما على التغيير للأفضل، وأن الرغبة في التحسن هي شرط أساسي مسبق لتحقيق أي تقدم، فالاستمرار في مساعدة أحدهم على حساب التضحية بمصالحك هو أمر عديم الجدوى وغير مقبول، وربما كان من الأفضل الانسحاب من العلاقة، فالوفاء لا يعني الحماقة، ولا بد من مناقشة معناه بإنصاف وصدق، والعلاقات اتفاقيات مشتركة، ولست ملزما أخلاقيا بدعم شخص يجعل العالم مكانا أسوأ، بل العكس تماما فعليك أن تختار أناسا يسعون إلى جعل الأمور أفضل، وأن اختيار الأشخاص المفيدين لك أمر جيد وليس أنانية، ومن الجدير أن تحيط نفسك بأناس يدعمون سعيك للتحسن والارتقاء.
@LamaAlghalayini