منذ أواخر الثلاثينيات الميلادية من القرن الماضي مر التخطيط الحضري في المملكة بمسار نشوء وتبلور للهياكل التنظيمية للأجهزة التخطيطية في المملكة وتأثر بها. ففي عام 1962م تأسس مجلس التخطيط الأعلى، ثم تحوّل مجلس التخطيط الأعلى إلى هيئة التخطيط المركزية إلى أن أنشئت وزارة الشؤون البلدية والقروية عام 1975م، وتم تحويل هيئة التخطيط المركزية إلى وزارة التخطيط. وفي الوقت نفسه مر التخطيط الحضري بمسار التطور الفني في تجارب إعداد المخططات وتنفيذها، خصوصا مع مطلع السبعينيات الميلادية، من خلال حزمة لمشاريع التنمية الحضرية المنفذة، مثل: مشروع تخطيط مدن شركة أرامكو في المنطقة الشرقية وتنفيذها وغيرها من المشاريع آنذاك.
حاليا تسعى المملكة من خلال حزمة برامج إلى تحليل مدى التزام مختلف المدن في تنفيذ الإستراتيجيات المكانية الوطنية والإقليمية وجدوى مثل هذه الإستراتيجيات وتقييم قدرات الهيئات الإدارية والمؤسسية المحلية وشركاء التنمية على تنفيذ هذه السياسات والإستراتيجيات من أجل صياغة رؤية المملكة العربية السعودية في النمط الحضري للمدن.
في الحقيقة، إن التشخيص الدقيق لكل التحديات، التي تواجه المدن، واستكشاف النمط الحضري الأمثل لتمكين المدن من المنافسة وجذب الاستثمارات، وفتح آفاق جديدة لتنمية المهارات والابتكار والتجديد، وتشجيع مشاركة الجماهير يلعب دورا مهما في تحقيق التحضر الحضري الكامل والمستدام للمدن في المملكة وبحسب القراءات، فإن ممارسات التخطيط الحضري هي الأقل فعالية مقارنة بغيرها إلا أن برنامج «مستقبل المدن السعودية»، الذي أطلقته وزارة الشؤون البلدية والقروية في السعودية سيُمثّل نهجًا شاملًا لتطوير إستراتيجية حضرية وطنية، ويقوم بجمع الطاقة المشتتة وإمكانات المراكز الحضرية في إطار منظومة وطنية على مستوى الأقاليم والمحافظات والمدن، ونأمل أن ينبثق منه متغيرات ملحوظة تنعكس على البنية التحتية الحديثة والأنسنة، وليس بالمستغرب أن نضرب المثال بمدينة المستقبل «ذا لاين»، التي تقع في قلب مدينة نيوم، وهي إحدى ركائز مشروعات رؤية السعودية 2030، التي أطلقها ولي العهد -حفظه الله- الأمير محمد بن سلمان دفعا لإعادة تعريف مفهوم التنمية الحضرية وما يجب أن تكون عليه مدن المستقبل، حيث تأتي تصاميم مدينة «ذا لاين» انعكاسا لما ستكون عليه المجتمعات الحضرية مستقبلا في بيئة خالية من الشوارع والسيارات والانبعاثات، وتسهم في المحافظة على 95 في المائة من أراضي نيوم للطبيعة، وتعتمد على الطاقة المتجددة بنسبة 100 في المائة، لجعل صحة الإنسان ورفاهيته أولوية مطلقة بدلا من أولوية النقل والبنية التحتية، كما في المدن التقليدية.
@HindAlahmed