Hanih@iau.edu.sa
كيف يمكن أن تكون الكتابة عن ذا لاين تأتي بشيء جديد؟. هل يمكن الكتابة عن رؤية تسابق الزمن باليوم، والساعة، بل وباللحظة؟ كيف يتم تقييم مدينة المستقبل في غياب أي نموذج سابق عليها، ناهيك عن السياقات الجديدة كلية التي تطرحها تلك المدينة الأسطورية. كيف يمكن لنا قراءة ما لم يتم الانتهاء من كتابته بعد، بل ما زال حبيس ورقاته وملفاته؟
الحديث عن ذا لاين حديث ذو شجون لسبب بسيط جدا. ذا لاين مدينة تم تصورها كبديل عن مدن العالم المعاصر لتبشر بشكل جديد للمدن ونمط جديد للعيش ومفاهيم جديدة كلية في أسلوب حياة البشر. وسواء كانت تجربة الفرد مع المدينة عن طريق المقاطع الإعلامية للمدينة التي شرقت وغربت، عبر الأثير وصلت مشاهداتها بالملايين، أو بزيارة معرض المدينة في مناطقها الرئيسية فإن الانطباع هو ذاته، مدينة خارج نطاق التفكير الاعتيادي لتخطيط المدن وبنائها واستخدامها. إنها في سماء العمران تحلق عاليا خارج السرب.
هذا الاستنتاج ليس من باب الدعاية والتبجيل وليس من باب الترويج لمنتج يسبقه اسمه في لمح البصر، لكنه استنتاج ينبع من صلب ما رشح عن المدينة، ليس بشكلها الاستثنائي في تاريخ بناء المدن، ولا بعلاقتها ببيئتها المجاورة، ولا بأسلوب بنائها وتشغيلها ولا بنوعية ساكنيها، إنها بسبب ذلك كله.
إن الوقوف عند كل شاردة وواردة في ما جاءت به المدينة بحاجة لمجلدات، غير أننا هنا سنشير إلى مكامن التفرد والتميز التي تطرحها المدينة منذ أن أعلن عن إنشائها. تاريخيا كانت مدن الإغريق القدماء أصداء من الحجارة لأساطيرهم في ما وراء الطبيعة ممزوجة بولعهم بالجسد الإنساني كمرجع جمالي وهندسي لكل عمائرهم، وقد استضافت ساحات الأجورا في أواسط المدن اليونانية، ومسارحهم في الهواء الطلق جما وافرا من الحكم والأساطير الإغريقية. وقد ورث الرومان الكثير من اليونان لكنهم طوروه في سياق بناء اجتماعي ضخم يتجاوز كثيرا مدن الإغريق ومن هنا كانت الإمبراطورية الرومانية تجسيدا كأوضح ما يكون لمجتمع الرفاهية بكل تجلياته بكل أبنيتها التي تعكس مجتمعا مدنيا متعدد الاهتمامات والعمارات. أما الصينيون فقد كانوا يرون في مدنهم وعمائرهم انعكاسا مباشرا لخارطة السماء، وهكذا أيضا كان حال المصريين القدماء، ولا عجب في ذلك، فقدم الحضارتين واعتمادهما على لغة بصرية ربما قرب من هذه العلاقة، بالرغم من البعد الجغرافي الشاسع بين أقدم دولتين في العالم الآن. فيما بقيت المدينة الإسلامية خارج نطاق هذا التصنيف. فقد كانت أشبه بنسيج عضوي ينبت من باطن الأرض، لا بناء من طين وحجر ينشأ عليها.
هكذا كانت مدن العالم إلى أن حلت الثورة الصناعية فانقلب مفهوم تخطيط المدن رأسا على عقب. فبدلا من أن يكون الإنسان محور اهتمام المدينة دشنت الصناعة بما جلبته من مصانع وعربات وتجمعات صناعية وسكنية وعلاقات عمل ومجتمع عصرا جديدا في تخطيط المدن. ومع الانتشار الجغرافي الهائل للغرب أصبحت مدن العالم اليوم نماذج مكررة لمدن تعتبر الصناعة الحديثة بكل إفرازاتها المادية والاجتماعية والبصرية مرجعها الروحي.
هل هذا ما يريده العالم لمدنه؟ هل المدينة ذات المرجع الصناعي بملوثاته وعوادمه وضوضائه ونمط عماراته هي النموذج الأمثل لعيش الناس في المدن؟ أليس هناك بدائل للأحياء النمطية؟ أليس هناك بدائل للاختناقات المرورية؟ أليس هناك بدائل للتشوه البصري المستشري في في شوارع وميادين وعمائر مدن اليوم. أليس هناك بدائل لذلك كله؟. وسط هذا الصمت المصحوب بالوجوم تأتي ذا لاين صرخة مدوية كاستجابة مشروعه وتلبية لنداء البيئة والفن والعمران.
صحيح أنه من السابق لأوانه الحكم على منتج لم ير النور بعد، وصحيح أن هناك من الأسئلة أكثر مما هناك من الأجوبة عن هذه المدينة الحلم، ولكن لنتذكر أنه على قدر الأحلام يكون حجم التحديات.
لتكن ذا لاين هدية المملكة لأبنائها وبناتها وللعالم كافة في يوم الوطن.