عبدالعزيز الذكير

تشربت شريحة كبيرة من قاطني جزيرة العرب قديما عادة للكسب والمعيشة، اسمها الغزو، وهي الإغارة على مرابع المنعمين من جيرانهم وسلب الماشية (الحلال).

تطورت تلك العادة المذمومة مع الزمن إلى حراك كسب لم يكن أرحم من الأول وهو قطع الطريق على العابر. ومعروفة تلك العادة باسم (الحنشل).

أيضا ثمة وسيلة نجسة للكسب هي الخاوة، وتستعمل هكذا بالعامية مع أنها فصيحة

الخاوة: من خوى الشيء أي اختطفه. واختواء ما عند فلان أخذ كل ما عنده.

وقد استعمل عرب الجزيرة مفردة «الحنشل» الذين كانوا يمارسون النهب وقطع الطريق قبل انتشار الأمن. أولئك كانوا يعتبرون أن النهب من حقهم. والفرق بينهم وبين من يطلب الخاوة أن الأخير يستلم المال من أناس يخشون سطوته وسلطانه فيدفعون مكرهين. الحنشل والحنشولي وهو السارق المختلس يسرق الماشية أو الإبل، لم ترد في المعاجم، وذكرها العبودي في كلمات قضت.. للمناقشة والتأصيل.

آتي إلى مفردة الحنشل تلك ولها مرادف اسمه «الحيافة»، «الحيافة» و«الحنشلة»، وهي عبارة عن جماعات صغيرة غير مسلحة في الغالب، وتهاجم العابرين أو قرى مجاورة في غارات ليلية خاطفة ومباغتة تعتمد على الخفة والمخاتلة، فكان «الحايف» أو «الحنشولي».

كانت نجد -قبل توطد الأمن- توصم بهذا النوع من الكسب غير المشروع. وترك البعض هذه المهنة، لكن البعض الآخر اتخذ صفة (حنشل مودرن) وهو الكسب بالحيلة. وبدلا من كسب المال بالعنف والقوة وجدت أسباب وطرق للحصول على مال بارد. فلم يخرج الحنشول (أظنها مفرد الحنشل) خارج المدن، وفي البرية بانتظار القوافل، لكنه وجد الأموال تأتي إليه (تجرجر أذيالها) وهو في المدينة لم يخرج على ولي الأمر، ولا يحمل سيفا أو بندقية، ولا تعلم الفروسية لكنه يكسب. كيف؟ الله أعلم..

النوع «الخمس نجوم» من «الخاوة» هو أن يتصيد الفاعل ضحيته من الموصومين بسوء الأخلاق والعفن، والماضي المغلف بالقذارة. ويهدده بإطلاق صور جريئة بعض الشيء. فتخشى الضحية على سمعتها وتدفع الخاوة عن يد وهي صاغرة، خصوصا مع سرعة الانتشار في هذا الزمن. وهذا اسمه العيش من الابتزاز.

وبتتبع المفردات نجد أن الأعمال المعوجة للحصول على المال تتطور مع مرور الزمن. فمن Highwayman.Highway robber..Bandit

ظهرت في المعاجم مفردات استعملتها الصحافة في وصف من يحاول إشباع رغبة الحرام عنده مثل: (بلاكميل) وهي الابتزاز. ومرتكبها لا يحتاج إلى سيف أو بندقية، فهو يضمن الحصول على المال من ضحيته بمجرد عرض السكوت أو البوح. ويظل الفاعل يلح على ضحيته بالمزيد، والقانون يسمي هذا الابتزاز التهديدي بالتشهير.

والبعض حلل العملية والبعض الآخر حللها بشرط وجود جهد قدمه المستفيد في عمليات وصفقات معينة. أما أن تأتيه العمولة (باردة) فلا شرع ولا عرف ولا أخلاق تجيزها

ومنذ أن دخلت مفردة العمولات، في قواميسنا العربية الحديثة جاءت معها بملف شائك، وقال البعض إن روح العصر جعلت الفكرة تحل محل (الحنشل) أو عند الغرب (الهايوي مان).