hanih@iau.edu.sa
هذا ليس كلاما مرسلا، بل هو تقرير إعلامي من محطة إخبارية يكفيك منها اسمها. بهذا العنوان اختتم ريتشارد كويست مذيع قناة «السي إن إن» الأمريكية تقريره في برنامجه الإعلامي عن بلدان العالم، بعد زيارات لمواقع مختارة من المملكة في الرياض، وعسير، والعلا، قابل فيها العديد من شخصيات الفن والثقافة والإدارة في البلد. ومما ساقه في تقريره: «لقد رأيت دولا تتغير من قبل، لكنني لم أر شيئا مماثلا كالذي يحدث في السعودية، ليس كما جرى في الاتحاد السوفيتي، ولا كالتغيير المزلزل الذي حدث مؤخرا في سريلانكا. التغيير في السعودية مدروس عميق ودرامي».
أن تقرأ عن التاريخ شيء، وأن تعيشه يوما بيوم بل لحظة بلحظة فذاك شيء آخر. هذا واقعنا اليومي منذ إعلان برنامج التحول الوطني ورؤية 2030 بكل تفاصيلها وآمالها ومآلاتها. فالتغيرات التي نمر بها في السنوات الخمس الأخيرة تاريخية بكل المقاييس. ذهبت إلى غير رجعة الوصاية الفكرية والمعرفية والسلوكية، التي أطرت حياة الناس في قوالب اجتماعية جعلت من مجرد التفكير خارج نطاق القطيع أمرا لا يمكن التفكير به. ولى زمن الإقصاء المبني على أساس المعتقد أو الجنس أو العرق أو الانتماء القبلي أو الجغرافي، وكل أنواع التمييز المضمرة اجتماعيا. رحل إلى غير رجعة التفكير بمنطق القطيع. لقد أصبح الفرد صانع فكره وحياته وقراره.
بالأمس ودعنا اليوم الوطني وكان لكل منا معه وقفة في جردته الشخصية تجاه وطنه. بالأمس كان يوم فرحة وطن. أما اليوم فإن لنا في تقرير ريتشارد كويست وقفة تستحق الوقوف عندها مليا. فحيثما ولى المرء نظره يلمس جانبا من التغيير لم يلمسه من قبل على مستوى العمل أو الحي أو الأسرة الواحدة. الإصلاح المؤسسي لعمل أجهزة الدولة تراه واضحا جليا حيثما ذهبت. انظر إلى سرعة الإنجاز في أي إجراء حكومي، بدءا من مجرد الحصول على بطاقة الهوية الوطنية وصولا إلى استصدار صك أو رخصة بناء أو الترافع في المحاكم. كما قضت منصة «إحكام» على سنوات من الانتظار في المحاكم، وأصبح ما يعرف بالدعاوى الكيدية نتيجة للإصلاح الهيكلي في قطاع المحاكم من الماضي. ذهب التكدس واختفت طوابير المراجعين وانتظم الناس في تعاملهم مع الأجهزة الحكومية. هذا غيض من فيض.
في جردة بسيطة، وفي قطاع السياحة تصدرت المملكة دول العشرين في مؤشر عدد السياح الأجانب بنسبة بلغت 121 %. سامي (SAMI) هو اختصار لشركة الصناعات الحربية العربية السعودية، وقد جاء في قناة الإخبارية أنها قد حققت نسبة 15 % في سعيها إلى الهدف المنشود وهو بلوغ 50 % بحلول عام 2030. وانظر من حولك إلى إنجازات أبناء الوطن تراها كأوضح ما تكون الرؤية. في التعليم والعمارة ها هو ميدان عبية بالخبر يمثل قصة نجاح لمنظومة تعليم قطعت شوطا كبيرا في خدمة الوطن. تماما كما برع فتيات إحدى الكليات الأهلية، التي تصدر اسمها ميثاق الملك سلمان للعمارة في رسم لوحة فنية ناصعة مشرقة بالرغم من أن هذه المؤسسة الأكاديمية الواعدة ما زالت تحبو في عمر الزمن الأكاديمي. ومن المؤكد أن لكل قارئ مثاله الذي لا يدع أي مجال للشك في النقلة النوعية، التي تخطوها المملكة قدما في سبيل التطور.
وبطبيعة الحال وكما هو الحال في الطب وفي مجالات أخرى، فإن لكل عملية تطوير آثار جانبية تصاحب إعادة البناء، غير أن هذه لن تلبث أن تزول بالعزيمة والإصرار وتضافر الجهود. يتزامن كل ذلك مع القرارات الملكية الأخيرة، التي تعزز من هذه المسيرة الظافرة. يقول الفرزدق في واحد من أجود ما قيل في الشعر فخرا:
ترى الناس ما سِرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحن أوْمأنا إلى الناس وقفوا
هكذا نريد أن نكون.