مريم الهنائية

@alhinai333

كنت أنتظر عند إشارة المرور مترقبة الإشارة الخضراء، وكأنها ستوقف تدفق أفكاري الكثيرة عما سأقوم به اليوم عندما لفت انتباهي مشهد لخص الحياة في دقائق.. من وجهة نظري

رجل وكأنه تجاوز الخمسين من عمره أو يزيد عليه قليلا، إن أحسنت أنا الحكم عليه، ذو لحية اختلط بها بياض العمر مع سواد الشباب، الذي يصارع البقاء، يمسح عليها بيده كأنه يطمئنها بأنه سعيد وقنوع، وأنه يقدر وجودها لتتوازن ملامح وجهه العربي الأنيق، كان معتمرا «كمتة» تبحث الحياة بلونيها البني والأخضر، وكأنها تقول له ولمَن حوله «أنا على رأس مجاهد تعلم الصراع من أجل البقاء ونجح».

يقود سيارته القديمة البيضاء المغبرة بتراب الزمن، موديل الثمانين، فقدت شعار ماركة السيارة من كثرة ما صارعت معه مشاوير ودروب الحياة، ومثل ما فقدنا جميعا شيئا كان جزءا من شخصياتنا يوما ما، يرتسم على أبوابها خطوط وشخابيط كأنها علامات لمَن مروا معها أو معه، شخابيط تخبرنا بأنها صامدة لأن مَن يقودها لن يستسلم.

تجلس بجانبه سيدة هي سيدته الجميلة، ذات وجه مريح لم تغيره مساحيق تجميل، لكنها تجملت بابتسامة رضا واعتزاز أنها تقاسم مَن يجلس بجانبها الحياة، وأنها أجمل النساء بنظره، تلتحف حجابا (شيلة) سوداء على أطرافها فصوص، تعلن بأنها ملكة، وأن هذا تاجها ولن يسلبه أحد منها، كانت مرتخية في كرسي السيارة تطالع الهاتف في يدها، وتشارك مليكها شيئا وكأنهما يتخذان قرارا جميلا يضاف إلى نعيم ما رسماه وقاما به طوال مشوار العمر معا، لغتها الجسدية تشير إلى أنها على يقين بأن ما سيتخذه من قرار، سيكون هو الصحيح، فلا تحتاج لمجادلته أو تفسير الأمور له، مع زحمة الشارع والسيارات، لم يشتت تواصلهما القوي سوى تغير إشارة المرور للأخضر.

ذلك مشهد قد نصبو له جميعا، لا أعرف ما خاضاه من ألم وصعاب حتى يصلا لهذه الراحة وهذا التوافق، أدامها الله عليهما من نعمة، ولكن ما يظهر بينهما من تواصل وقناعة لم ينتج بمحض الصدفة، ولم يشتر بمال أو واسطة.

التوافق الفكري، الذي يوجده الأفراد مع مَن يحبون هو أساس توازن الحياة واستقرارها، وهو أمر لن يحدث إلا بالكثير من التغاضي والتفاهم والرضا بعيوب مَن نحب قبل حسناتهم.