حذيفة العرفج

هناك صور حقيقة لم نلتفت إليها ونحن غارقون في دوامة الحياة، وقد أمضى الواحد منا في هذه الحياة بزحام وأمور أخذتنا بعيدا عن مبلغنا في الحياة، أصبح الواحد منا لا يعرف كيف هو طعم الحياة الحقيقي! بتنا لا نشعر بالأيام التي تجري كالأمواج الهائجة، ها قد مضى العمر وفات ونحن أسرى الغفلات، ما أن يبدأ اليوم إلا ونجد رؤوسنا على وسائدنا، وقد شارف اليوم على الانتهاء.

فما أسرع انقضاء الأيام ولياليها، ها هو العمر تنقصه الساعات، والصحة تعرض لها الآفات ونحن منغمسون في هذه الدوامة الجارفة، فما أسرع الأوقات فيها وإقبال الليالي وإدبارها، ومضينا كأعواد ضعيفة جرفها السيل، فلا نعلم أين، أو كيف هي نهايتنا؟ ها هي نفوسنا في لهاث دائم خلف الغايات الفارغة، لا تكل ولا تمل، ولا تشبع، بل هي جائعة على الدوام، أصبحت الأيام هي نفسها متشابهة... لذا فإن الإنسان العاقل يجب أن يقف، وأن يحاسب نفسه ويتخذ من سرعة انقضاء الأيام عبرة، ويدرك الغاية السامية لوجوده.

فيا أيها الإنسان سنواتك التي عمرتها أهي صفحات ستنجيك؟ أم هي التي ستغرقك كما أغرقتك في مغريات الحياة؟ عشتها لاهثا تبحث عن أحلامك الدنيوية التي حققت بعضها وسقط بعضها الآخر! وغدا ستعلم أنها أحلام لا تستحق اللهاث خلفها.

فإنسان هذا الوقت لا يدرك قيمة الوقت، دوام يأخذ من دم العمر، وهاتف يأخذ جل الوقت، وسلسلة نقاشات عقيمة لا نتائج لها، وأعمال مؤجلة كلما تذكرتها أخذتك الهموم، وارتباطات اجتماعية لا نهاية لها، وتسويف وتأخير، وقد انشغل الفكر بالأشياء الثانوية، وقد أهملنا تلك الغاية الجلية، عن حياة الصالحين تلك الحياة الطيبة الحقيقية، الذين عرفوا أنهم لم يخلقوا سدى، ولم يتركوا هملا، عرفوا أن الله خلق الخلق لغاية عظيمة سامية، كما قال تعالى: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾.

وقال تعالى: ﴿أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون﴾.

فالغاية جلية، ما خلق الله الإنس والجن إلا لعبادته، فهذه هي الحكمة، هي عبادته وحده لا شريك له، ولكن، هناك كثير من الناس لم يعرفوا الغاية التي لأجلها خلقوا، وبالتالي هم يعيشون عيشة هي أقرب ما تكون إلى عيشة الأنعام، كما قال الله: ﴿أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون ۚ إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا﴾.

وهناك فئة من الناس عرفوا الغاية التي لأجلها خلقوا، ولكنهم قصروا وأساءوا، وضلوا الطريق، فعبدوا الله على جهل.. أخذوا جزءا من العبادة وتركوا الجزء الآخر، ولم يدركوا معنى العبادة الشاملة التي عبر عنها شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: (هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة).

وبالرغم من أن إنسان هذا العصر غارق في لجج الحياة، وأن لقاء الله قد اقترب، مع كون الإنسان يغفل كثيرا عن هذه الحقيقة، ولا يزال غافلا، كما قال تعالى: ﴿اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون﴾.

وقال تعالى: ﴿يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون﴾.

اقترب انتهاء الأجل سواء بموت كل إنسان ومعه يبدأ الجزاء ويتوقف العمل، أو باقتراب قيام الساعة على الجميع، يا للأسف الكثير في غفلة إلا من رحم الله وعصم، ألهتهم الدنيا تلك القنطرة المزينة بالشهوات التي لن يلبث المرء فيها قليلا ثم يدخل في مراسم حياته الحقيقية يستمعون إلى الذكر بعد الذكر، والآية تلو الأخرى وهم سادرون في لهوهم، لاهية قلوبهم، معرضة أبدانهم.

@Huthaifah0حساب تويتر: