أ.د. هاني القحطاني

hanih@iau.edu.sa

هذا مصطلح من أكثر المصطلحات شيوعًا في التنمية الحضرية وتخطيط المدن. وللمصطلح بُعد تاريخي. داون تاون تعني قلب أو مركز المدينة أو أصل وبداية منشئها.

لكل مدينة تاريخ، وفي سياق نمو المدن وتطورها، ومع الحاجة للتمدد والتوسع العمراني، ونظرًا للنمو الاقتصادي، وما يصاحبه من نمو عمراني يعمد سكان المدن إلى التمدد والتوسع بعيدًا عن المراكز في أحياء وضواحٍ جديدة، وهنا تدخل مراكز المدن في غياهب النسيان، وتصبح أثرًا منسيًّا. هذا ما تم تحديدًا في كثير من دول العالم بلا استثناء.

هذا ما نراه بأم أعيننا، وما تعيشه معظم مدننا اليوم، فقد تحوّلت مراكز المدن لدينا إلى مناطق مهجورة، وهو ما يمثّل تحديًا للتنمية العمرانية بكافة أجهزتها.

يطول الخوض في تفشي ظاهرة هجران أواسط المدن، غير أن العامل الاقتصادي، وما يتبعه من تبعات سوسيولوجية، هو من الأسباب الرئيسية وراء تفشي هذه الظاهرة.

وبالتالي فإن سهولة تشخيص المشكلة من شأنها أن تؤدي إلى أنجع الحلول لمعالجتها.

تصدَّر خبر إنشاء شركة داون تاون أخبار هذا الأسبوع، ولنا مع هذا الخبر وقفة مطوَّلة. بداية فإن مجرد إنشاء هذه الشركة للاعتناء بمراكز المدن هو تفكير نوعي يشي بنوعية الفكر الجديد في التنمية العمرانية.

ونظرًا لما تعانيه أواسط المدن اليوم من تدهور في البيئة العمرانية، فإن ما ينتظر من هذه الشركة والقائمين عليها لهو شيء كثير بالفعل.

بدايةً فإنه يجب التعامل مع أواسط المدن وفق رؤية علمية تطبيقية، ووفق زمن محدد، وضمن خطة عمل مجدولة بانتظام، وألا تكون مهمة مستمرة إلى آفاق زمنية غير واضحة المعالم.

ما تحتاجه أواسط المدن أمر في غاية البساطة إذا ما تم التعامل معها وفق خطط علمية مدروسة من قِبَل كافة المشاركين في عملية التطوير هذه.

الحديث هنا عن المالك (أيًّا كانت صفته)، والمستثمر والمشغّل والمستخدم النهائي (المواطن ساكنًا كان أم سائحًا). التنمية العمرانية هي أولًا وقبل كل شيء حوار مجتمعي بين كافة المشاركين في عملية التنمية. هذه هي المشاركة المجتمعية في صنع القرار، وبدون إجراء مثل هذا الحوار، فإن المشاكل القديمة في التنمية العمرانية ستعاود الظهور من جديد، وكما يقول المَثل العامّي: كأنك يا بو زيد ما غزيت.

يستتبع ذلك أن يكون الإنسان هو محور التنمية الحضرية فيها. هذا ليس تنظيرًا أكاديميًّا، بل هي قرارات تنموية تطبيقية وفعَّالة في إنجاح إعادة التنمية. أنسنة المدينة مقدَّمة على العامل الاقتصادي وعلى التفكير العقاري المنمط المسؤول عن تردي أواسط المدن. أنسنة المدينة تعني إشراك سكانها في عملية صنع القرار التنموي. أنسنة المدينة تعني توفير ممرات مشاة آمنة مظللة ضمن مخطط مدروس متفق عليه من قِبَل المالك والمستثمر والمستخدم، ومواقف سيارات كافية يمكن التعامل مع أجهزتها بكل بساطة، لا أن تكون عبئًا على التنمية، كما هو حادث الآن.

تطوير أواسط المدن بحاجة فقط إلى إرادة صلبة في إنجاح عملية التنمية، وإلى وضوح في الرؤية لما يجب عليه أن تكون بعد إتمامها.

تطوير أواسط المدن ليس بحاجة إلى رواد من عالم الفضاء، إنه ببساطة تعامل منطقي مع المشكلات التنموية التي تواجه الناس يوميًّا في معاشهم. أنسنة المدينة تعني ببساطة أن تكون أواسط المدن نقاط جذب لساكنيها، لا مناطق طاردة كما هو الحال الآن.

نيوم، ذا لاين، تروجينا، مسميات المدن الجديدة التي تحاول بناء أنماط مدن جديدة بعيدًا عن تلك المخططات عقارية المنشأ، شبكية الشكل التي أكل عليها الدهر وشرب.

الأمل يحدو الناس بأن تكون أواسط المدن الجديدة على نفس الدرجة من الطموح، وإن اختلف السياق الحضري بين هذه وتلك. يبقى ذلك مرهونًا بالاستفادة من تجارب الماضي القريب والبعيد وما أكثرها.